تحقيق الاستسلام والعبودية لله عز وجل من مقاصد الصيام

الصيام فيه تدريب العبد على الاستسلام لله عز وجل وتذكيره بأنه عبد لله تبارك وتعالى لا لغيره - (أ ف ب)
الصيام فيه تدريب العبد على الاستسلام لله عز وجل وتذكيره بأنه عبد لله تبارك وتعالى لا لغيره - (أ ف ب)

عمان- لم يشرع الله عز وجل العبادة ويوجبها على عباده لحاجته إليها، فهو الغني سبحانه، وإنما شرعها لحكم ومعان عظيمة، ومقاصد جليلة، تعود على العبد نفسه بالنفع في دينه ودنياه، ومن مقاصد عبادة الصيام أنها تحقق الاستسلام والعبودية لله عز وجل.اضافة اعلان
ومن ضمن معنى الإسلام الاستسلام لله تعالى والتسليم له في أحكامه، وهذا التسليم كذلك من مقتضى الإيمان، قال تعالى: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا". {النساء:65}. فمن كان مؤمنا فما عليه إلا أن يتلقى أحكام الشرع بالرضا والاستسلام والانقياد لله عز وجل، وأن يقول سمعنا وأطعنا، قال عز وجل: "إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ". {النور:51}. فلا يجوز لك وأنت مسلم وتؤمن بأن الله تعالى عليم حكيم ولا تصدر أحكامه إلا عن علم تام وحكمة بالغة، أن يكون في قلبك أي نوع من الشك تجاه هذه الأحكام وإن لم تدرك الحكمة من ورائها.
فالصيامُ يربي المسلم على ضبط نفسه الأمارة بالسوء، ويمكنه من السيطرة عليها والإمساك بزمامها، بحيث لا يكون مستسلماً لها بل مستسلماً لأوامر ربه خاضعاً منقاداً لنواهيه، مقدماً لها على رغائب الجسد وشهواته، في الصيام تنجلي عند الصائمين القوى الإيمانية والعزائم التعبدية، يدعون ما يشتهون، ويصبرون على ما يشتهون في الصيام، يتجلى في نفوس أهل الإيمان الانقياد والاستسلام لأوامر الله وهجر الرغائب والمشتهيات، يدعون رغائب حاضرة لموعد غيب لم يروه، إنه قياد للشهوات وليس انقيادا لها، الصوم يربي المسلم على العبودية الحقيقية، فإذا جاء الليل أكل وشرب، امتثالاً لقول ربه الكريم "وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ) (البقرة: 187). وإذا طلع الفجر أمسك عن الأكل والشرب، وسائر المفطرات؛ امتثالاً لأمر الله تعالى "ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلى الَّيْلِ" (البقرة: 187).
الصيام فيه تدريب العبد على الاستسلام لله عز وجل، وتذكيره بأنه عبد لله تبارك وتعالى لا لغيره، ولهذا الله سبحانه وتعالى يأمر في وقتٍ العبد أن يأكل، فلو صام لكان عاصيا كما في العيد أو الوصال على الخلاف، وفي أحوالٍ أخرى يأمره سبحانه بالصوم حتى لو أنه أفطر لكان عاصيا، وهكذا تجد هذا يتحقق في الإحرام؛ لأن العبد يمنع من أشياء في الإحرام ويؤمر بها في غيره؛ ليتحقق فيه أشياء كثيرة يتذكر فيها أنه عبد لله سبحانه وتعالى يأتمر بأمره ويقف عند حدّه، وهذا معنى عظيم لو أن الناس أدركوه وتفطنوا له في عباداتهم، لكان أثره ليس مقصورا على الأركان المعروفة؛ بل جعل المسلم في أحواله كلها مثل الجندي الملتزم الذي يده على الزناد وهو واقف ومستعد إذا أُمر أن يقدم أقدم وإذا أمر أن يحجم أحجم، ومعنى العبوديّة لله جلّ جلاله من أعظم مقاصد الصوم ومقاصد العبادات، وكثيرٌ من المسلمين يُخلّون بهذا المعنى، فقد يلتزمون ببعض العبادات، لكنها فقدت روحها عندهم فأصبحت لا تؤثِّر فيهم الأثر المطلوب في تحقيق معنى العبودية لله تبارك وتعالى.

إعداد الدكتور زياد الفقيه
عضو رابطة علماء الأردن