تحية للأمن العام

د. أحمد ياسين القرالة

للأمن مكانة متميزة في المجتمعات الإنسانية فهو الجهاز المناعي الذي يحمي الجسم من الأمراض ويحفظه من الانهيار والزوال؛ لأنَّ الخوف يعطّل الطاقات ويشلّ الحركة ويدمر الاقتصاد فترتفع معه الحرمات وتسود الفوضى، فليس لخائف راحةٌ، ولا لحاذر طمأنينةٌ، وقد قال بعض الحكماء: الأمن أهنأ عيش، والعدل أقوى جيش .اضافة اعلان
ونحن في بلدنا لدينا جهاز قوي للأمن العام يتولى حماية المجتمع من الأشرار والخارجين على القانون، ويعمل جاهداً على مكافحة الجريمة وحماية نفوس الناس وأموالهم وممتلكاتهم، يتمتع أفراده بشكل عام بانضباطية عالية وأخلاقيات مهنية متميزة وحس وطني راق.
وقد لاحظنا في الآونة الأخيرة تعرض هذا الجهاز للتشكيك والتشويه ومحاولة خلق حالة من العداء وانعدام الثقة بينه وبين المواطنين، وذلك من خلال بثِّ الأكاذيب ونشر الإشاعات وتداول مقاطع وصور معزولة عن ظروفها وسياقاتها التي حصلت فيها، تضخم فيها الأخطاء الفردية ويجري تعميمها.
ولست هنا في معرض الدفاع عن هذا الجهاز، فله من الأدوات والأذرع الإعلامية من هو مكلف بالقيام بهذه المهمة، ولكني هنا أقوم بواجب يفرضه عليّ ديني ومصلحتي الفردية والاجتماعية التي تعتبر التشكيك في أجهزة الدولة بشكل عام وفي مقدمتها الجهاز الأمني يعدم الناس الثقة بها، مما يؤدي إلى أن يفقد المواطنون ولاءهم لدولتهم وانتماءهم لها، ولهذا مآلات خطيرة على الفرد والدولة.
كما أنني لست في موضع المبرر لأي خطأ يصدر عن أي فرد من أفراد الأمن العام، ولكنَّ جهازاً بهذا الحجم وبهذا العدد من المنتسبين وبهذا الكم من الوظائف التي يقوم بها وما تتسم به من خطورة، وبهذا التنوع بين أفراده من حيث التأهيل والتدريب والمستوى العلمي والثقافي، قد يحمل البعض منهم على إساءة استخدام السلطة في تنفيذ القانون، ويجعل من مثل هذه الأخطاء أمراً طبيعياً ومتصوراً.
لذا يجب على إدارات الجهاز المبادرة والمسارعة وبجرأة وشجاعة لإدانة هذه التصرفات والاعتذار عنها ومحاسبة الفاعلين لها؛ للمحافظة على ثقة المواطنين وكسب ودِّهم فهو خير معين لهم في أداء وظيفتهم، وليس شيء أضرّ على أي جهاز من التستر على أخطاء منتسبيه أو التعامي عنها، فإدانة الأفراد ومحاسبتهم أولى من تشويه الجهاز وتحطيم صورته.
ما حملني على هذه الكتابة هو أنني منذ وعيت على هذا الحياة وأنا أرى هذا الجهاز مصدرَ أمننا ومبعث طمأنينتنا وعامل سكينتنا، وقد أحزنني ما يحصل له من تشويه وتشهير وسعي البعض لإظهاره على أنه ندٌّ للمواطن وعدو له، والمبالغة في نقل أخطاء فردية وجعلها قاعدة عامة في سلوك الجهاز وتعامله مع المواطنين.
ما يحصل خطير جداً مآلاته إضعاف هذا الجهاز وتوهين دوره الحيوي والحساس،خاصة ونحن نعيش ظروفاً داخلية وإقليمة صعبة تستلزم تضافر الجهود وتكاثف الطاقات للتصدي لها.