تخفيض السيارات على الشوارع إلى النصف

قال أمين عمان الجديد أن النقل هو التحدي الأكبر أمام الأمانة، ونحن نوافقه الرأي والأمر، وهو في الواقع لم يعد يخص عمان فقط بل كل المدن الأخرى وحتى البلدات حيث تتضافر زيادة السيارات والباصات الصغيرة مع ثقافة مرورية متخلفة وغياب شرطة السير التي يمكن أن تزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وأن تفرض بالجباية ما تعجز عنه الهداية.اضافة اعلان
لا شك أن الأمانة ومعها هيئة قطاع النقل ستضع الخطط لتطوير النقل العام والمضي قدما في مشروع الباص السريع، وقد يكون هناك المزيد من الجسور والأنفاق والحلول المرورية لكن ذلك لن يحلّ المشكلة. أمانة عمان قامت بأعمال ضخمة. أنشأت الأنفاق والجسور واستبدلت الدواوير بالإشارات، وقضمت من الأطاريف والجزر الوسطية للتوسعة، ومدت شوارع كبرى عابرة للمناطق الجديدة ورابطة بينها، لكن عدد السيارات وعدد السكان يتزايد بصورة تتجاوز كل هذه الإنجازات، وداخل المدينة لم يعد هناك ما يمكن عمله اذ تفيض الشوارع بعدد هائل من السيارات طوال الوقت وهي مرشحة طبعا للتزايد باطراد حتى إن الموقف لا يمكن تخيله للسنوات القادمة. قد تتقدم أمانة عمان فعليا - كما نأمل -  في ملف النقل العام المتعثر لكن طبيعة عمان التي تتبع توزيعا مشتتا على التلال والمرتفعات والطرق الدائرية والمنافذ المحدودة الى مناطق داخلية ستجعل هذا الحل جزئيا اذ يمكن بناء خطوط نقل عام فعالة على طرق رئيسة لكن من الصعب تغطية المناطق الداخلية للمناطق والأحياء بين الجبال والوديان.
في أوقات مختلفة كتبنا وكتب غيرنا عن المدن الذكية، وعن اقتراحات جذرية تتعلق بنمط الحياة وتوزيع العمل في العاصمة مثل التحول الى نظام الشفتين في الدوائر والمؤسسات وتوزيع الدوائر على المناطق لتقليل الحاجة للتنقل بين المناطق، بل طرحنا وطرح غيرنا فكرة عمان جديدة عاصمة سياسية الى الشرق في العمق الصحراوي المفتوح كمشروع استراتيجي لسحب الزيادة السكانية من عمان التي تتفاقم أزمتها بلا حل.
إن تطوير النقل العام سيكون له تأثير متواضع على ازدحام السيارات الذي سيستمر. ولا حل إلا بتخفيض العدد الموجود الآن إلى النصف لتصبح الحياة محتملة في عمان وبقية المدن. ولطالما بدا لي أن تحريك آلة تزن طنين من الحديد بكل ما تحرقه من الوقود لنقل أقل من مئة كيلوغرام (وزن إنسان) هو أمر عبثي غير معقول، والأسوأ أن ترى سيارة دفع رباعي ضخمة مصممة لرحلات السفاري تجوب الشوارع الداخلية في العاصمة لنقل شخص واحد. يقيني أن مصالح كبريات الشركات هي التي حالت دون تطوير وسيلة نقل فردية مبتكرة، بل إن هذه المصالح ومعها شركات النفط هي وراء التأخر في التحول إلى السيارة الكهربائية، وحسب تقرير قرأته مؤخرا يؤرق شركات السيارات الكبرى مشاريع التحول بالكامل للكهرباء والذي تقوده شركات جديدة مثل تيسلا، وكذلك الحديث عن تطوير وسيلة نقل فردية كهربائية عصرية بحجم دراجة مغطاة تغني عن نسبة كبيرة من سيارات اليوم. كما أن التطورات التكنولوجية قد تؤدي الى اختفاء 90 % من السيارات في المدن؛ فالشركات التي هي برنامج حاسوب على غرار أوبر ستوفر لك سيارة في أي لحظة وخلال الفترة ما بين نقرة إصبع على موبايلك الشخصي والوصول الى الباب الخارجي للبيت أو المكتب. وسيتضح انك توفر ثمن السيارة والوقود ومشاكل الصف والمواقف والصيانة والترخيص والتأمين والحوادث. وطبعا سيكون حافزا إضافيا فرض رسوم باهظة على حركة السيارات الخاصة في قلب المدن.