تداعيات اجتماعية

تتعدد التأثيرات التي أحدثها وباء كورونا ومن أهمها التأثيرات الاجتماعية على كافة المجتمعات البشرية والتي من المتوقع تفاقمها في المستقبل، حيث أشارت تقديرات منظمة الأمم المتحدة بتوقع مضاعفة معدلات أعداد الجوعى من فقراء العالم إلى ما يزيد على 265 مليون شخص غالبيتهم العظمى في الدول النامية ودول العالم الثالث، مما سيهدد الاستقرار والأمن الاجتماعي، وسيحدث تغيرات عميقة في الأعراف والروابط والمظاهر الاجتماعية الإنسانية التي أسستها الحضارات البشرية على مر العصور والأزمان.اضافة اعلان
إن ظاهرة التباعد للوقاية من كورونا في المجتمعات البشرية تهدد أهم الروابط الإنسانية وهو التواصل الذي يساهم في تطوير حياة البشر وبناء التعاون والتشاركية في الغالبية العظمى من النشاطات اليومية والمستدامة لحياة الإنسان وتطويرها للأفضل بشكل فردي وبشكل جماعي وتحارب الفقر والجوع والبطالة والجهل والأمراض الاجتماعية الأخرى. ولم يعد التواصل مقتصرا في العصر الحاضر على تواصل الأفراد والمجتمعات المحلية، بل أصبح من أهم الضرورات في العلاقات الدولية لبناء مجتمع عالمي متعاون.
إن من أهم التأثيرات الاجتماعية المباشرة للتباعد إحداث فجوة اجتماعية كبيرة على المستوى الفردي والأسري والعائلي مما يخلق حالات من الانفصام والمعاناة النفسية والاجتماعية خاصة بعد وقف التلاقي مع الأرحام وفيما بينهم، وبين الأبناء والآباء والأصدقاء، وتوقف المؤتمرات العلمية والسياسية والرياضية والاقتصادية، وتعذر التعاضد في المناسبات الاجتماعية والدينية المختلفة خاصة في مناسبات الأفراح والعزاء والأعياد وغيرها إلى إشعار آخر، في الوقت الذي تتجه السياسات الرسمية والصحية الى التأكيد على السلوكيات الاجتماعية التباعدية بعد كورونا وإلى الانتهاء من غالبية هذه السلوكيات بعد مؤشرات منظمة الصحة العالمية إلى أن الوباء لا زال في بداياته وسيستمر وقتا طويلاً ويستهدف كافة البشر ولا بد من التعايش معه، الأمر الذي سيخلق كثيرا من حالات المعاناة الاجتماعية الفردية والنفسية التي تحتاج الى معالجات والاعتياد على سلوكيات اجتماعية وحياتية بديلة، في الوقت الذي افتقدت المجتمعات أيضا رابطة الوعظ الديني الجماعي، المتمثلة في الصلوات في المساجد والكنائس ودور العبادة المختلفة لكل أتباع المعتقدات، والتي تعتبر أهم وسائل التواصل مع الله ومع الجمهور في الوعظ والإرشاد والتعاون الذي يهدف إلى توجيه السلوكيات البشرية باتجاهات إيجابية.
أما تأثير الاقتصادات على الأوضاع الاجتماعية فهي الأساس التي تشكل التعاون الاجتماعي، وهي القاعدة الرئيسة في التشاركية والتواصل والتعاون في عملية الإنتاج والتسويق لسد الاحتياجات الضرورية والكمالية والترفيهية وغيرها، وهي عملية قائمة على نظم التشغيل للعمالة، وتنظم وتكفل للإنسان الحصول على احتياجاته النقدية والمادية، وتجعله يعيش حياته في أمان واطمئنان، كل ذلك أصبح يواجه تهديدا كبيرا لم يسبق له مثيل على المستوى الإنساني، حيث بدأ العاملون يفقدون وظائفهم شيئا فشيئا الأمر الذي سيؤدي إلى احتمالات قوية لوقوع اضطرابات وتأثيرات اجتماعية كبيرة على مستوى الأفراد والأسر وكذلك الدول، تهدد الاستقرار الاجتماعي والأمن الوطني والعلاقات الدولية.
إن الإسراع في العمل بكل إيمان وإخلاص من القيادات السياسية والاقتصادية والدينية في العالم لدعم جهود العلماء بلا حدود للتوصل إلى حل جذري للوباء بإنتاج لقاح وعلاج ناجعين، هو السبيل الوحيد لمواجهة هذا الاختبار أو الابتلاء البشري والخروج منه بأقل ما يمكن من الخسائر.