تراجيديا تختبئ في صورة كوميديا

رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو -(ا ف ب)
رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو -(ا ف ب)

يديعوت أحرونوت

ناحوم برنياع  19/5/2016

التقيت مع هرتسوغ في نهاية مؤتمره الصحفي أمس. وضمن أمور اخرى سألته كيف يفسر تحول نتنياهو. ما الذي دفع نتنياهو لأن يستبدل في غضون ليلة واحدة حكومة بحكومة، فيتحرك يسارا وبعدها يكسر دفعة واحدة الى اقصى اليمين. فهذه ليست مفاوضات ما بعد الانتخابات، بينما رئيس الدولة ينتظر مع ساعة توقيت. أحد لا يهدد في هذه اللحظة وجود الائتلاف. فعلامَ الفزع؟.اضافة اعلان
وعلى حد قول هرتسوغ، اتصل نتنياهو به أربع مرات امس، وهو أمر غريب بحد ذاته، إذ أن الرجلين تحدثا ليلا، واتفقا على أن المفاوضات بينهما لم تنجح. سأل نتنياهو لماذا يرتبط بليبرمان، لا مفر لي، قال له نتنياهو، على حد قوله. انا ملزم بان اعينه وزيرا للدفاع. وزراء الليكود يهددون بالانقلاب عليه.
وذكر يريف لفين، زئيف الكين وآخرين. تحدث عن نفسه بصفته ضحية، وعن حزبه وكأن به عدوا.
هل نصدق نتنياهو؟ هل نصدق هرتسوغ الذي صدق نتنياهو؟ ما حصل في هذه القضية يضع في اختبار شديد مصداقية الرجلين، ومصداقية الساحة السياسية بأسرها. هذه التراجيديا تتخفى في شكل كوميديا، واذا كانت تثير الضحك لدى احد ما، فهذا الضحك ميرر ووحشي.
رئيس الولايات المتحدة ليندون جونسون عين ذات مرة خصمه في منصب هام. عندا سُئل لماذا، اجاب بقول مجازي: "من الافضل ان يبول من داخل الخيمة الى خارجها من ان يبول من خارج الخيمة الى داخلها".
لدى ليبرمان من الصعب ان نعرف: فهو يتمتع بمرون فكرية لا كابح لها. ولكن يخيل لي ان دخول ليبرمان يبشر باصلاح مشوق في عقيدة جونسون: فهو يدخل الى الخيمة، اذا ما دخل، لا كي يبول منها الى خارجها، بل كي يبول من داخل الخيمة منها الى داخلها. حتى هذا الاسبوع حاول تصفية نتنياهو من الخارج: الان سيحاول تصفيته من الداخل و/او يخلفه. هذا هو تفسير عودة ليبرمان. يوجد فضل واحد في دخول كتلته الى الائتلاف: الى الـ 61 ستضاف 6 ايادٍ منضبطة، ستضعف جدا قوة ابتزاز الاورن حزانيين في كتلة الليكود. كل ما تبقى يجعل صعبا على نتنياهو بدلا من أن يسهل الامر عليه.
مشكلة اولى: بدلا من ان يعرض على العالم، قبيل الصراعات السياسية القاسية المرتقبة في الخريف القادم، حكومة معتدلة، يعرض نتنياهو على العالم الحكومة الاكثر تطرفا التي كانت هنا في أي وقت من الاوقات. هذا ما يقوله اعضاؤها، وليس فقط خصومها.
مشكلة ثانية: في الكابنت سيجلس نتنياهو بين بينيت وليبرمن، حين يتنافس الرجلان الواحد ضد الاخر وضد نتنياهو على اصوات اليمين. هذه الظروف تضع في الشك قدرة نتنياهو على أن يفصل بين خطابه الحماسي وخطاب وزرائه وبين ما يجري على الارض. من الصعب ان يقرر الا يفعل؛ من الصعب بقدر لا يقل ان يقرر ان يفعل، بسبب الشك لدى الجمهور ولدى العالم. لقد فكك نتنياهو حكومته الثالثة لانه مل ان يكون رهينة لدى لبيد، بينيت ولفني. اما الان فهو يسعى الى أن يكون رهينة ليبرمان وبينيت.
مشكلة ثالثة: ليبرمان تدبر أمره بشكل لا بأس به في وزارة الخارجية، ولكن جهاز الامن هو قصة أكثر الزاما بكثير. فالانتقاد الاول الذي وجه لتعيينه كان انعدام تجربته في مواضيع الامن. وانعدام التجربة يمكن أن يكون فضلا احيانا: فهو يسمح بالتفكير من خارج العلبة. ولكن ميل ليبرمان لدحرجة الحلول العابثة على نمط الضربة الواحدة وانتهينا خطير وخطابه المتشدد خطير هو الاخر. فهو لم يتعلم، او لم يستوعب حتى النهاية، قيود القوة. كان لدينا وزير دفاع كهذا، وبالذات من اليسار: بنحاس لافون كان اسمه. فقد تولى المنصب من نهاية 1953 حتى بداية 1955. وكانت ولايته مليئة بالعمليات العسكرية المشكوك فيها والقضايا التي لاحقت الدولة على مدى السنين.
مشكلة رابعة: احدى القواعد المقبولة في السياسة الاسرائيلية تقول انه محظور على رئيس الوزراء أن يعين وزير دفاع يتطلع الى الحلول محله. هكذا مثلا، عندما كان بيرس وزير دفاع خصمه رابين كفت الحكومة عن أداء مهامها. لهذا السبب فضل رؤساء الوزراء ابقاء الوزارة في ايديهم او ايداعها في يد جنود مخلصين مثل موشيه آرنس او يعلون. اما ليبرمان فليس هو النموذج.
مشكلة خامسة: قيم الجيش الاسرائيلي والقانون والنظام في المناطق. بوغي يعلون كان من جهة، جهة القانون والقيم، في قضية اليئور أزريا، الجندي مطلق النار؛ ليبرمان كان في الجهة الاخرى. وصل شخصيا الى المحكمة العسكرية كي يستعرض تضامنه مع الجندي. تعيين ليبرمان يدخل كل جندي قتالي في الجيش الاسرائيلي، ناهيك عن جنرالات هيئة الاركان، في حالة من انعدام اليقين: ما هي المعايير ومن يمليها.
هرتسوغ سيقف لمصيره داخل حزبه. آجلا أم عاجلا سيتوجهون هناك الى الانتخابات. ومعقول الافتراض بانه لن يفوز لا هو ولا خصمته يحيموفيتش. كلاهما يخرجان من هذه القصة مع بيضة مدهونة على وجهيهما. كان مشوقا ان نرى أمس غضب هرتسوغ المنفلت حين تحدث عنها: لو كان وظف غضبه في منصب رئيس المعارضة، لعله كانت لها معارضة.
الكاتب الاميركي توماس فريدمان وصف ذات مرة نتنياهو كسائق سكير يتذبذب على طول الطريق، مرة يصعد الى جانب اليسار ومرة الى جانب اليمين. وبشكل عام ينجو بلا أي ضرر. ولكن ليس هذه المرة: هذه المرة محكوم بدوره سياقة مانعة. اما المعلم المتوحش فيسمى ايفات ليبرمان.