ترامب وإسرائيل

هآرتس جدعون ليفي 24/12/2018 فجأة وداخل بحر القرف، والسخرية، والغضب الذي يثيره دونالد ترامب، فقد اتخذ قراراً يبعث الأمل، لقد قرر الانسحاب من سورية. إزاء جوقة النحيب الإسرائيلية، والتي تضم بالطبع أيضا، قدرا لا بأس به من السرور لبنيامين نتنياهو، يجب أن نقول لترامب: شكراً، شكراً على القرار الذي سوف يفيد أخيراً إسرائيل، والولايات المتحدة والمنطقة. ليس فقط لأن الرئيس أوفى بوعده، ليس فقط لأنه يواصل السياسة الحكيمة لسابقه- أيضا تجاه إسرائيل فإن قراره، والذي عرضت هنا بالطبع وكأنه يحمل كارثة، ويضعضع الوعد: سوف يؤدي إلى جعل إسرائيل تبدأ بالوقوف على أرجلها ويفتح شرخا في سكرة القوة لديها وفي قوتها الزائدة والتي هي العوامل الأكثر تدميرية لها ولمحيطها. القرار يتعهد بإرجاع إسرائيل إلى ارض الواقع على الاقل في سورية: سورية أولاً. إن استناد إسرائيل على قوتها العسكرية العظيمة واعتقادها أن القوة ستجيب على كل شيء- بالإضافة إلى الدعم غير المحدود للولايات المتحدة- لم يفدها. الآن يجب أن نأمل أن الانسحاب من سورية يبشر بتغيير الاتجاه من جانب الأميركان، ليس فقط يدلل على قرار سريع لمرة واحدة. إذا حدث ذلك عندها سيتحول ترامب إلى صديق حقيقي لإسرائيل، يهتم بمستقبلها أكثر بكثير من كل مسلِّحيها ومموِّليها، أصدقاء أكاذيبها. مثل الأب الذي يقرر أن يتخلى عن معانقة الدب الذي يمنحه لابنه المدلل من أجل أن يواجه بنفسه الواقع- ربما أن ترامب سيقوم بتحرير إسرائيل من الرعاية المضرة التي أحاطتها بها أميركا، مصيدة العسل التي أفسدتها حتى النخاع. التدخلات العسكرية للولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية انتهت بشكل عام بسفك دماء جماعي كبير، وحشي وزائد. السلام والحرية، وهما من الأهداف المعلنة لحروب أميركا- هذه التدخلات، لم تمنحها أبداً. من كوريا وحتى سورية مرورا بفيتنام وأفغانستان والعراق- خلفت خلفها ملايين البشر الذين قتلوا عبثاً. لهذا لا يوجد ما نبكي عليه لخروج أميركا من سورية. إسرائيل اعتقدت أن تكون في ظل الحماية الأميركية أيضا في سورية، ترامب وضع حداّ لهذا الأمل. في البداية كانت روسيا هي التي أنهت طيران إسرائيل في سماء سورية ولبنان- والآن الولايات المتحدة. إسرائيل بقيت لتواجه مصيرها، على الأقل في سورية. هذا يخيف الأمنيين المقتنعين بأن إسرائيل تستطيع فقط أن تعيش بواسطة القوة، ولكن هذا يجب أن يشجع كل من يفهمون بأن الاعتماد الحصري على القوة العسكرية لم ينجح في يوم ما طوال الوقت. دول عظمى أقوى من إسرائيل انهارت. إسرائيل ستضطر لأن تقصف بقدر أقل وهذا جيد. سوف تضطر للاعتراف بحدود القوة، وهذا أيضا أفضل من سابقه. إذا تسرّب هذا الفهم، عندها سيحدث تغييار ثوريا في رؤية إسرائيل. الاحتمال للوصول إلى سلام وقبولها في المنطقة مرهون بإضعاف قوتها. خلافاً للتفكير المعتاد، فإن زيادة قوة إسرائيل هو لعنتها الكبرى. بفضلها وبفضل الدعم الأعمى للولايات المتحدة فإنه يمكِّنها من العربدة كما يروق لها في الضفة وغزة، وفي لبنان وأحياناً أيضا بأبعد من ذلك. أن تقمع شعباً، وأن تبني مستوطنات. أن تسخر من العالم وأن تتجاهل القانون الدولي، وأن تتحرش وتعتدي. الآن جاء الرئيس الأكثر يمينية والأكثر قومية متطرفة من بين رؤساء الولايات المتحدة، أكبر أصدقاء الاحتلال الإسرائيلي، ليقول لمن هي من رعاياه: عليكِ أن تواجهي الأمور وحدكِ، وسنرى كيف ستقومين بذلك. الأمر يدور حول مشروع تجريبي، مشروع سورية التجريبي. ترامب اتخذ خطوة BDS) مقاطعة): لقد قاطع إسرائيل. إذا واصل بهذه الصورة فإن إسرائيل ستضطر إلى السير في طريق لم تسر فيها في يوم ما. بالتحديد ترامب من بين كل الرؤساء من شأنه أن يجعلها بدون قصد تغيِّر الاتجاه. أن تفهم أن هنالك مشكلة وأن هنالك حدودا لقوتها، وأنها ليست هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط، وأن شعبها ليس مختارا، وليس شعب الله المختار، وأنه ليس كل شيء مسموح به، فقط لأنها تستطيع؛ وأنه يجدر التفكير والحديث والتنازل، وأن الاحتلال والأبرتهايد برعاية الخناجر لن يصمدا للأبد. ربما ترامب من بين كل الناس هو من يفعل ذلك.اضافة اعلان