ترامب والبغدادي

الكراهية ثقافة عالمية، ودونالد ترامب آخر صيحاتها. إمبراطور المال والأعمال، والمنافس على الترشح لانتخابات الرئاسة في بلد تأسس على التنوع ونهض على أكتاف المهاجرين، بات اليوم المرادف الموضوعي للبغدادي. كلاهما يشربان من نفس الكأس؛ يكرهان الآخر، لا بل إن ترامب يتفوق على البغدادي في كراهيته للسود والملونين، وينافس جورج بوش الابن في شراهته للحروب وغزو الدول.اضافة اعلان
لكن ترامب ليس أميركا، مثلما أن البغدادي ليس هو العالم العربي والإسلامي. ضجت أميركا في وجه ترامب بعد تصريحاته الكريهة. الجمهوريون قبل الديمقراطيين قابلوها بالغضب والاستنكار. شخصيات ملهمة مثل رئيس مؤسسة "فيسبوك" مارك زوكربيرغ، ومشاهير الفن السابع والثقافة، تصدوا لخطابه الجنوني.
ولا أظن أن أمة انتخبت سيدا أسود لرئاستها يمكن أن تقبل بمتطرف متعجرف في البيت الأبيض. هناك نسبة لا بأس بها من الأميركيين الذين أصابهم الخوف تأثروا بخطاب ترامب، تماما مثل أولئك المتعاطفين مع الحركات المتطرفة في بلداننا. لكن أميركا بلد ديمقراطي لا يمكن أن تضحي بقيمها، وتعرف بتجربتها الطويلة كيف تتخطى هذه الظاهرة الشاذة. يبقى أن نملك نحن الشجاعة نفسها لهزيمة المتطرفين بيننا، وأن لا نسمح لهم بدولة مزعومة تنشر الكراهية، وتصدر الإرهابيين للعالم.
المتطرفون في العالم الغربي يتغذون اليوم على أفعال الإرهابيين؛ ما كان لليمين المتطرف في فرنسا أن يفوز في انتخابات المناطق بهذه الحصة الوفيرة لولا الهجمات الإرهابية الأخيرة في باريس. لكن، وبالرغم من ذلك، ما تزال فرنسا ومثلها دول أوروبية، عصية على المتطرفين أمثال ترامب ولوبان. بعد هجمات باريس بقليل، رفع الأوروبيون صوتهم دفاعا عن قيم التنوع وضد الكراهية. وكان الرئيس الفرنسي أول من تصدى للحملات العنصرية ضد الفرنسيين من أصول عربية.
وبينما تسود العالم الغربي موجة فزع وخوف من المهاجرين والعرب، كان رئيس وزراء كندا الشاب جاستن ترودو على رأس مستقبلي اللاجئين السوريين في مطار تورنتو، وخاطب الضيوف السوريين بالقول: إنكم مصدر قوة لنا. وصدرت أكبر صحيفة بكندا وعلى صدر صفحتها الأولى عنوان عريض باللغتين العربية والإنجليزية "مرحبا بكم في كندا".
هكذا كان الرد الكندي "الغربي" على خطاب الكراهية؛ فحتى مع وجود ترامب وأمثاله، فإن العالم لا يكرهنا كما يتصور بعضنا.
ما يريده المتطرفون والإرهابيون في الشرق والغرب، هو أن تسود ثقافة الكراهية والتعصب؛ ففي مثل هذه البيئة فقط يمكنهم أن يجنوا المكاسب على حساب القيم العالمية المشتركة.
في خطابها بجامعة سابينزا الإيطالية، شخصت الملكة رانيا العبدالله اللحظة التاريخية بشكل دقيق وعميق؛ لحظة يسعى فيها المتطرفون إلى نشر "بذور الشك والتعصب بين الناس من الثقافات المختلفة"، مستخدمين سلاح "الخوف المعدي" ليجعلونا "أعداء ضد بعضنا بعضا".
لقد دفع العالم ثمنا باهظا يوم استسلم لخطاب الكراهية، وسمح للنازية والفاشية بقيادة نصف شعوب المعمورة لحرب مدمرة، ما تزال كوارثها عالقة في الأذهان.
ترامب نسخة من الكارهين الأوائل في العقود المظلمة من تاريخ الغرب، و"داعش" ومن هم على شاكلته من الإرهابيين يمثلون ذلك الجيل من المارقين والقتلة باسم الدين. الاستسلام لخطابهم يعني حربا مدمرة للبشرية والحضارة الإنسانية.