ترامب وكبش الفداء الصيني

إشور براساد*

إيثاكا- تمكن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مرة أخرى من قلب الحقائق رأسا على عقب. وكجزء من جهد أوسع لانتقاد الصين بسبب "اغتصابها" اقتصاد الولايات المتحدة من خلال سياسة تجارية غير عادلة، يجدد الآن اتهامه بأن الصين تتلاعب بعملتها من أجل كسب ميزة لصادراتها. مثل هذه التصريحات خطيرة بقدر ما هي بعيدة عن الواقع.
ومن المؤكد أن اتهام ترامب للصين بالتلاعب بعملتها لا يعتمد على أية حقائق. على العكس من ذلك، لمدة سنتين ونصف الماضية، تدخل بنك الشعب الصيني (PBOC) في أسواق العملات لغرض معاكس: منع قيمة الرنمينبي من هبوط حاد مقابل الدولار.
كما واجهت الصين في الآونة الأخيرة زيادة في تدفقات رأس المال، والذي خلق ضغطا كبيرا على سعر صرف الرنمينبي. تلك التدفقات هي جزئيا نتيجة لتخفيف الحكومة الصينية من القيود على حسابات رأس المال - وهو جهد يهدف بالسماح للأسر والشركات والمؤسسات الاستثمارية بتنويع سنداتها الاستثمارية من خلال زيادة الحيازات الأجنبية. وتعكس التدفقات أيضا مخاوف بشأن التوقعات الاقتصادية في الصين، بما في ذلك تصاعد المخاطر المالية، فضلا عن بعض المخاوف في أوساط أثرياء الصين الذين قد يُستهدفون من قبل حملة مكافحة الفساد للرئيس شي جينبينغ.
بدلا من السماح لقيمة الرنمينبي بالانخفاض بسرعة كما تأمر الأسواق بذلك، تدخل بنك الشعب الصيني للحد من تدفقات رأس المال وموازنة ضغط الاستهلاك. وتحملت الصين تكاليف باهظة، وتسببت جهود بنك الشعب الصيني للحفاظ على استقرار قيمة الرنمينبي مقابل الدولار في انخفاض احتياطي النقد الأجنبي للصين بنحو 900 بليون دولار أكثر مما كانت عليه في حزيران (يونيو) 2014 حيث كانت هذا الاحتياطي يبلغ حوالي 4 ترليون دولار. (كما ساهم انخفاض قيمة العملات مثل اليورو والين - والتي تمثل حصة من احتياطيات الصين –أيضا في هذا الانخفاض، بالمقارنة مع الدولار الأميركي).
وتستفيد الولايات المتحدة من نهج الصين. في الواقع، إذا طالب ترامب، كما فعل أسلافه، بأن تسمح الصين للأسواق بفرض قيمة عملتها، فإن الرنمينبي سينخفض بشكل أسرع، مما سيعزز القدرة التنافسية التجارية للصين وجها لوجه مع الولايات المتحدة. لكن المطالبة بتوقيف تراجع الرنمينبي تبعا لاستهلاك السوق للرنمينبي، ستعني أن ترامب سوف يطالب بشكل فعال بقيام الصين بما كانت تدينه الولايات المتحدة دائما بالضبط: التدخل المباشر في أسواق العملات.
تلك هي الحقائق. لكن ترامب لا يتعامل بالحقائق. والآن بما أنه لم يعد مجرد مرشح رئاسي، لم تعد اتهاماته تعتبر بأنها تبجح فقط. مع وجود ترامب في البيت الأبيض، ما كان ينظر إليه سابقا في الولايات المتحدة باعتباره الخيار "النووي" - اتهام الصين رسميا بالتلاعب في العملة وفرض ارتفاع الرسوم الجمركية عبر الحدود على الواردات الصينية - أصبح يمثل احتمالا قويا.
ويعلم ترامب أن الوفاء بوعده حول إحياء التصنيع في الولايات المتحدة مع التغيرات السياسة الداخلية التي تعزز القدرة التنافسية الدولية للشركات الأميركية سيكون من الصعب تنفيذه وسيستغرق وقتا طويلا ليؤتي ثماره: بالنسبة له، "التصرف بقسوة" مع الصين - سواء من خلال الأقوال أو الأفعال - ربما يبدو حلا مناسبا.
لكن بعيدا عن تحقيق أهداف ترامب، مثل هذه التحركات من المحتمل أن ينتج عنها رد فعل فوري وعدواني من الصين. وستكون النتيجة المرجحة دوامة من القيود الانتقامية على التجارة الثنائية وعلى تدفقات الاستثمار، والذي من شأنه أن يضر اقتصاد البلدين.
التفسير السخي هو أن ترامب، كرجل أعمال صارم وعملي، يستخدم ببساطة التهديدات لدعم موقف تفاوضي قوي، هذا المنطق سيسود في نهاية المطاف. لكن كلما استمر خطاب ترامب الناري، كلما زادت مخاطر ما سينتج عن ذلك من عواقب في العالم الحقيقي.
حتى احتمال نشوب حرب تجارية مع الصين يمكن أن يكون كافيا لتدمير الاقتصاد الأمريكي. بالفعل، إن تصريحات ترامب حول سياسته بعد الانتخابات الرئاسية - وعدم اليقين الذي أعرب عنه - رفعت من قيمة الدولار، في كل الأحوال، كانت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة ملاذا آمنا نسبيا في أوقات عدم اليقين (حتى عندما تكون السبب في ذلك).
ورغم أن خطر وقوع حرب تجارية مع الصين وفكرة إلغاء الولايات المتحدة للصفقات التجارية القائمة سيضر على المدى القصير آفاق النمو في بلدان أخرى أكثر من الولايات المتحدة، فإن ارتفاع الدولار هو خبر سيء بالنسبة لترامب. إن وعوده بزيادة صادرات الولايات المتحدة وإعادة وظائف التصنيع من البلدان ذات اليد العاملة الرخيصة سيكون من الصعب تحقيقه في أحسن الظروف. مع تقويض الدولار المرتفع للقدرة التنافسية للولايات المتحدة، فسيكون ذلك من الصعوبة بمكان، على الأقل في المدى القصير.
قد يحاول ترامب إخفاء هذه الإخفاقات، خصوصا أن تدفقات رأس المال التي تساعد على رفع قيمة الدولار تسبب انخفاض تكاليف التمويل للحكومة الاتحادية، وبالتالي خلق مساحة أكبر لترامب لتحقيق أهدافه المالية. ولكن إذا استمر خطاب ترامب الحمائي الساخن، فإن الولايات المتحدة ستواجه ارتفاع الدولار، وضعف الصادرات، وعجز تجاري أكبر بكثير - ناهيك عن زيادة التوترات مع الصين.
قد يكون الخطاب الصارم فعالا في مسيرات النصر الانتخابية، لكنه لا يغير من الحقائق شيئا. إذا استمر ترامب في أسلوبه الحالي، فإن الاقتصاد الأميركي سيعاني - وكذلك مكانته الشخصية بين الناخبين الأميركيين الذين ما يزالون، لأي سبب من الأسباب، يثقون به.

اضافة اعلان

 

* أستاذ السياسة التجارية في كلية دايسون للاقتصاد والإدارة التطبيقية.
خاص بـ "الغد" بالتعاون مع بروجيكت سنديكيت