تربية احترام الآخر!

الحياة فيها آخرون غيرنا!
هكذا نكتشف الآن في زمن العولمة، وعصر الاتصال، وحين صار بإمكاننا ان نرى العالم كله مكوّماً في صندوق بريد الكتروني خفيف الحضور!اضافة اعلان
علينا إذاً أن نعيد النظر في أشياء كثيرة، منها أن نستفيد من (أخطاء التربية) التي حدثت لنا، ونُجنّب أولادنا الوقوع في سوء الفهم ذاته.
من هذه الأخطاء أننا تلقينا تربية أنانية، ومنغلقة، خلقت منا أشخاصاً معزولين، يعتقدون أنهم هم أول الكون وآخره !!
أتحدث بالطبع عن جيلي، ومن سبقنا، اما الجيل الجديد الذي أسهمت وسائل الاتصال الحديثة في تربيته فربما لن يفهمني جيداً!
نحن تلقينا تربية صماء، لا تتقبل النقاش، لديها مُسلّماتها، ومحرماتها الكثيرة، وهي تربية تتمحور دائماً حول الـ(أنا)، الأنا الشخصية والأنا الدينية والقومية والعائلية؛ حيث جرى تعزيز هذه الأنا حتى تورّمت، ولم تعد تتلمس حولها سواها، ولم تعد قابلة للاعتراف بوجود (أنوات) أخرى في حضارات وبلاد وثقافات واديان ومجتمعات أخرى!
لم نكن في صبانا لنتوقع (وفق التربية التي تلقينا، والمدرسين في بعض الأحيان) ان هناك عائلة في الغرب، وان هناك أبا يخاف على طفله، وأن هناك أمّاً تسهر لتدريس ابنها، وأن ابنة تحرص على سمعتها ولا تتورط في علاقة متهورة، وأن هناك تاجرا قد يخسر ويصاب بالإحباط فيساعده أقاربه، وأن الجدة تلقى عناية في موسم الزكام، وأن تغيير سيراميك المطبخ يدهش زوجة بسيطة، وأن هناك دكاكين صغيرة، وسوقاً للملابس، ودعوة على العشاء تحضرها العمّات والخالات!
تربيتنا الحذرة، المتوجسة، شيطنت الآخر، وشوهته، ولم نكن قادرين ان نرى هذا الآخر، ونفهمه، حتى كبرنا ولمسنا بأيدينا، وعرفنا أننا لسنا ملائكة وكل من يجلس في الصفوف الأخرى شياطين مطلقة، وأنه ليس ثمة مجتمعات نقية العِرق وصالحة بالكامل، وليس ثمة مجتمعات منهارة قيمياً وأخلاقياً تماماً، وأن الأحكام القيمية المطلقة هي بذاتها خطأ مطلق، واننا لا نملك العِصمة والحصانة التي تؤهلنا لندمغ مجتمعات وثقافات ومجاميع بشرية وأعراق بتهم معلبة وجاهزة.
ليس هذا جلداً مفرطاً للذات، ولكنها مراجعة ضرورية لأساليب التربية، نحن بحاجة لها.
فبعد أن كبرنا، وانفتحت حدود العالم أمامنا، اكتشفنا انه ليس كل (الاجانب)، كما كنا نسميهم، هم مجتمعات منحلّة وبلا قيم وبلا ترابط عائلي أو اجتماعي، فهناك مجتمع أسري متماسك وهناك ريف وفلاحون، وهناك قيم وهناك مبادئ وهناك تربية وأمهات وقصص ما قبل النوم، وهناك ثقافة وفنون وحضارات.. غيرنا في هذا العالم!
وأن هذه العجوز الشقراء السائحة وسط البلد، والتي نلحقها بفضول أحمق كمن ينظر لفصيلة غريبة من الطيور، هي أم أو جدّة لها بيت وعائلة وألبوم صور، وتتشاجر مع زوجها، وتطبخ الفاصوليا كأمهاتنا!!
والذين لا يشبهوننا ليسوا أعداءنا.. لمجرد أنهم كذلك!
وعلينا ربما ان نعيد النظر في تربية أبنائنا ليفهموا ان ثمة آخر (لا أعني هنا الآخر النقيض أو العدو) يمكن التفاهم معه، والانخراط معه في شراكة إنسانية تتوخى إصلاح العالم وتجميله وجعله أكثر احتمالاً!
وانه ليس عدواً لمجرد أن دينه يختلف، او أنه من عِرق (أجنبي) أو أنه من مجتمع أكثر انفتاحاً، وأن التربية التي تقسم العالم الى مجتمعات مؤدبة وصالحة ومضمونة الذهاب إلى الجنّة وأخرى ساقطة ومنحلّة، هي تربية خاطئة ومريضة، تنتج أجيالاً أمّية ومعزولة!
فالمنسوب القيمي والأخلاقي لا يقاس بشكل جماعي للأمم، بل يتفاوت بين شخص وشقيقه في ذات البيت!
والعالم الآن مفتوح ومتاح، ولا نستطيع أن نخفي رؤوسنا في الرمال، بينما أولادنا يكتشفون كوناً كاملاً على شاشة محوسبة صغيرة!