ترجيح كفة الماضي.. إقصاء للحاضر وهروب منه

كثيرون من يسجنون ذواتهم خلف قضبان الماضي- (ارشيفية)
كثيرون من يسجنون ذواتهم خلف قضبان الماضي- (ارشيفية)

ربى الرياحي

يسجنون ذواتهم خلف قضبان الماضي.. يسعدون بذلك القرار الذي يقصيهم حتما عن حاضر يخشونه بكل ما فيه من تجارب وخبرات وحقائق قد تكون سببا في انزعاجهم وقلقهم.

اضافة اعلان

لا شيء من وجهة نظرهم بإمكانه أن يحميهم من الألم والخيبة والهزيمة سوى استقرارهم داخل تلك الدائرة المغلقة واكتفائهم بأوجاع الماضي التي يحاولون قدر المستطاع التعايش معها والوقوف عندها معتقدين أن بتصرفهم السطحي هذا سيتغلبون على مرارة الحياة وسيعرفون تماما كيف ينأون بأنفسهم عن سطوة الندم وخطيئة التكرار.

هم على الأغلب يفتشون بين دفاتر الماضي عن لحظات استطاعت أن تنسج لهم من خيوط الفرح تفاصيل تختزل مشاعر صادقة غابت ربما لأنهم آثروا الانشغال بهمومهم ومشكلاتهم التي يرفضون إخراجها من عتمة الوهم إلى نور الحقيقة.

يخافون الانتقال إلى الحاضر والتصالح معه يربكهم جدا انفتاحهم على الحياة، وتأمل مراحلها بعين واثقة تحارب الضعف والهروب وضحالة التفكير تلك التي تمنعهم من أن يهجروا مرحلة مؤلمة من حياتهم وينطلقوا لتحقيق كل ما أجلوه من أمنيات وأحلام ظلت رهينة مخاوفهم زمنا طويلا لم يسمحوا لها بأن تغدو واقعا يلمسون فيه كل ما حرموا منه ويكون امتدادا لا ينتهي لتلك الآمال التي ظنوا أنها ستبقى ضربا من المستحيل.

لقد تآمروا على الحاضر بيأسهم وخنوعهم وعدم إدراكهم لخطورة القرار الذي اتخذوه وآمنوا به لدرجة أنهم لم يمنحوا أنفسهم فرصة للتفكير بالسلبيات على حدة، بل رجحوا كفة الاستكانة للماضي باعتباره بات مكشوفا لهم يفهمون جيدا ألغازه والمناطق الغامضة فيه.

ما يقلقهم حقيقة هو ابتعادهم عن تفاصيل اعتادوا عليها وأصبحت جزءا لا يتجزأ منهم، مواقف كان لها كبير الأثر في تشكيل ذواتهم تمكنوا من خلالها أن يكونوا ذلك الإرث الذي يرفضون وبشدة التحلل من قسوته. 

هواجس كثيرة وغير مفهومة تجول في دواخلهم تزيد من تكبيلهم وتضعهم أمام خيار وحيد لا ثاني له وهو البقاء خارج الحياة بعيدا عن مجريات الحاضر وقراراته الدقيقة غالبا وعدم التجرؤ على تخطي الماضي الذي احتواهم لسنوات طويلة بدون أن يستطيعوا مغادرته أو الهروب منه.

فهو من جهته يصر على مطاردتهم كلما قرروا أن يتحرروا منه بعد تفكير مجهد يقف بكل ما لديه من صور وذكريات في وجه تمردهم المفاجئ يتعمد أن يريهم الواقع بصورته المشوهة وطرقه الملتوية المتشعبة راغبا في ثنيهم عن إمكانية تجاوزهم له والعبور إلى الحاضر برؤية جديدة تخالف تماما ما عاشوه في السابق لكن بأسلوب انتقائي يتيح لهم حصر الإيجابيات والسلبيات ومن ثم الموازنة بينهما ليصبح بمقدورهم التعامل مع الحاضر بوعي كامل يضمن لهم خطوات ثابتة وموزونة نحو الحياة التي كانوا أغرابا عنها.

بين الأمل والمثابرة والإحباط مسافة قصيرة هي من تحدد الجهة التي تقبع فيها أحلام الكثيرين وطموحاتهم. وقوفهم هناك متخففين من أثقال الماضي يعني أنهم يريدون تغيير مواقعهم والتقدم بثقة نحو أهداف تؤكد أهمية وجود الرغبة والمثابرة معا.

كما أنهم مطالبون أيضا باستثناء تلك التوقعات المقتصرة على ملامسة الفشل وتحويله إلى واقع، معتمدين في ذلك على أحكام مسبقة ترتبط فقط بتجارب الماضي والانحياز لتلك المرارة التي اغتالت صيغ الفرح في دواخلهم المنهزمة.