ترحيب إيراني إسرائيلي!

صباح يوم العيد لم يكن الملفت خبر إعدام صدام حسين، او الصور التي تم بثها لغايات التشفي وكرسائل اذلال. لم يكن هذا فقط هو الملفت لان اعدام صدام كان متوقعا، وروح الثأر في ادارة هذا الملف كانت امرا رافق كل مراحل ما سمي بالمحاكمة، لكن خبرا صغيرا بثته الفضائيات على شريط الاخبار اسفل الشاشات كان يلخص ما جرى ويجري وسيجري. يقول الخبر: "رحبت ايران واسرائيل بإعدام صدام حسين". وحكاية هذا التحالف -الذي قوّض العراق وهدم دولته- بين الاحتلال الاميركي والثأر الفارسي هي ملخص المأساة العراقية.

اضافة اعلان

اميركا التي جاءت بجيوشها ودعم حلفائها، كانت تحمل الاهداف الصهيونية التي لا تريد حتى لمشروع دولة عربية ان يبقى. وكان العراق الدولة هدفا صهيونيا، كما كان نفط العراق ومقدراته هدف تجار السياسة الاميركية؛ فاختلطت العقائدية بالاطماع، فكان الاحتلال الاميركي بمبرراته الواهية، او الكذبة الدولية المسماة اسلحة الدمار الشامل. اما الثأر الفارسي فهو حلم لايران التي كان للدولة العراقية فضل كبير في الوقوف امام اطماعها. وكان على العرب ان يحفظوا للعراق هذا الفضل، وهم الذين ترتعد فرائصهم اليوم من الخطر الفارسي الايراني. لكن ايران وكل اتباعها من حملة الجنسيات والاسماء المزدوجة، عربية وفارسية، والولاء لسافاك الثورة المسمى بالحرس الثوري، هؤلاء ومعهم دولة الثورة الاسلامية المزعومة هم الذين اضطروا إلى كشف وجههم الحقيقي، فتناسوا اكذوبة الشيطان الاكبر، وتحالفوا مع الاحتلال الاميركي والاطماع الصهيونية، ليكون احتلال العراق وادخاله دوامة الفوضى والقتل.

اميركا جاءت لتحقق اهداف التجار وعقائد اسرائيل والمحافظين الجدد. والفرس واتباعهم حملوا حلم تقويض الدولة العربية العراقية؛ فكان العدوان، وصمتت كل افواه آيات الله واصحاب الفتاوى الا باتجاه الصمت على الاحتلال واضفاء الشرعية عليه! هو تحالف ارادوه ثأرا لحرب الخليج الاولى، وربما للقادسية الاولى، وارادته اميركا واسرائيل زواج متعة، يقضيان به متعتهما وحاجتهما من مبادئ الثورة وميليشيات الحرس الثوري التي حملت اسماء عراقية!

لكن هذا الزواج مؤقت، لان اميركا واسرائيل لا صديق لهما، وقد لا يمضي اكثر من عام قبل ان تكون ايران تحت السلاح الاميركي الصهيوني. وسيجد الاميركيون اعوانا لهم من الايرانيين المعارضين يهبطون الى طهران بطائرات المارينز، كما هبط بعض قادة المعارضة العراقية الى ارض العراق بعد احتلالها.

ليست القضية في موت صدام، فهو قد يموت في سجنه مثل اي انسان، إنما هي في اعدامه في يوم العيد، يوم فرح للتحالف الفارسي الصهيوني الاميركي، لان صدام كان رمزا للدولة العربية العراقية؛ فكأنهم يريدون ان يقولوا ان عيدهم بإعلان القضاء على تلك الدولة العربية، وبدء مرحلة الدولة التابعة للثورة الفارسية!

لكن "حكي القرايا ليس مثل حكي سرايا"؛ فأميركا وايران لدى فئات من العراقيين والعرب في خندق واحد، وتصنيف واحد، لان ادنى ابجديات الدين ان لا يقبل اي مسلم ان يتم احتلال ارض مسلمة، وبخاصة من الشيطان الاكبر وحليفه الكيان الصهيوني. واذا كانت ايران قد باعت دولة عربية مسلمة مقابل حقد شعوبي، فكيف سنأمن على اي دولة عربية او مسلمة، سيما وأنه قبل العراق كان بيع افغانستان، بالتحالف مع اميركا ضد طالبان؟!

العراق اهم من صدام حسين، والاعدام الحقيقي كان يوم دخلت الدبابات المحتلة ارض العراق، ويوم ان اصبح اصحاب القرار الشكلي، في ما يسمى مجلس الحكم الانتقالي ثم الحكومات التي تلته وميليشياتهم، خلفاء للمحتل ضد المقاومة الشريفة، إذ كان اول انجازات الحكم الجديد محاصرة المدن وقتل الابرياء، بل كانوا قصاصي اثر لقوات الاحتلال.

الحسرة والألم على تقويض الدولة العراقية وتحويلها الى ساحة خلفية للاطماع الفارسية، ومرتع لجيوش الاحتلال والمخابرات الصهيونية. ولو كان الامر عدلا وقضاء، وليس ثأرا فارسيا وعدوانا اميركيا صهيونيا، لشمل الاعدام من اهدروا دماء 600 الف عراقي منذ العام 2003 فقط، وشردوا مئات الآلاف، حتى تحوّل العراق الى جحيم لا يأمن العراقي فيه على دمه وعرضه وماله! ولشمل الإعدام من جعلوا العراق مستباحا من كل اعدائه، ودمروا دولة تحول شرطتها وجيشها الى جزء من ميليشيات، وليست ضمانة استقرار وطن.

المبادئ لا تكون في مكان وتغيب في اخر، واميركا فقدت مصداقيتها لانها تتحدث عن ديمقراطية وحقوق انسان في مكان، وتمارس الاحتلال للشعوب المستضعفة. وكذلك ايران التي تمارس خطابا ثوريا عن بعد بحق اميركا، لكنها تتحالف معها ضد وطن وشعب عربي مسلم! هي تدعم حزب الله لانه جزء من امتدادها الطائفي، وليس حربا على اسرائيل. ولا يمكن ان نصدق خطابها الثوري ضد اسرائيل امام ما فعلته في العراق؛ إذ كيف تدعم مقاومة ضد اسرائيل في لبنان، وتحرّم -عبر رجالاتها- مقاومة المحتل الاميركي الصهيوني في العراق؟! بل ان "الشرعية!" التي اخذها الاحتلال كانت من اتباع ايران.

مات صدام، لكن اعدامه اعطى دفعا جديدا لقضية العراق كوطن ودولة كانت جبهة حماية للامة. فصدام كما العراق محتلان من اميركا بأسلحة ودبابات، وفرحة الثأر الفارسي الصهيوني من العراق مهما طالت يظل هناك سنن للكون، وعلى ايران التي تحالفت مع اميركا ان تتوقع روح ثأر اذا ما انتهى زواج المتعة بين الدولة الفارسية والاطماع الصهيونية الاميركية.

القضية ليست بين سنة وشيعة، بل هي استغلال فارسي لولاء فئات من الشيعة العرب، إذ هي اطماع قومية، وثارات شعوبية تمارس بمكيافيلية لا تتوانى عن استعمال الشعارات الثورية، وانفاق الاموال، وتصنيفات انتقائية، تجعل من اميركا في بلد عدوا، وفي آخر حليف، وفي ثالث شيء آخر!

[email protected]