ترقب

د.لانا مامكغ ظلَّ يستمعُ إليها وهو يهمسُ في سرّه:” من أين تأتي هذه المخلوقةُ بهذا التّفرّد، وهذا السِّحر؟ لأوّل مرّةٍ أكتشفُ أنَّ الأنوثةَ قد تكونُ موقفاً، وقيَماً، وسلاماً داخليّاً، ومنطقاً آسراً … “ ثمَّ أفاقَ من شروده لمّا سمعها تقول: “نعم، مررتُ بتجربة زواجٍ سابق…” فاعتدلَ في جلسته، وركّزَ عينيه عليها وهي تضيف: “كان زميلاً طيّباً محترماً، فتهيّأ لي أنّه الشّريكُ المنتظر، لأكتشفَ أنَّ الزّواجَ أمرٌ آخرٌ مختلفٌ عن عالم الزّمالة… وبسبب محدوديّة تجاربنا، نحن الفتياتِ عموماً، تختلطُ مشاعرُنا، فنحسبُ أنَّ من يصلحُ أن يكونَ أخاً، أو زميلاً شهماً، هو الذي يصلحُ لأن يكونَ زوجاً … لقد بدأنا حياتنا باختلافاتٍ عديدةٍ نتجَ عنها مناقشاتٌ شبهُ يوميّة أرهقت كِلينا، فكنّا كلّما فتحنا حواراً، صُدمنا بنقاط التّقاطع، دون أن نجدَ فرصةً للاستمتاع بنقاط الالتقاء … كنّا كائنين مختلفَي التّكوين والخصائص؛ تماماً، كالماء والزّيت، لا يمكن أن يمتزجا! وهكذا، حتى تفاهمنا أخيراً على طلاقٍ هادئ مرَّ بسلاسة، لذلك، فما زلتُ أكنُّ له كلَّ التّقدير، وأحسبُ أنّه يبادلنُي الموقفَ ذاتَه، إذ لم يحدث أن آذى شعوري بكلمة رغم خلافاتنا المتكرّرة العديدة، وأعرفُ أنّه لا يذكر سيرتي إلا بالخير، وأنا أفعلُ ذلك.” كان يصغي بجوارحه كلّها، ولم يُعلّق، بل ارتدَّ بجذعِه إلى الوراء وهو ينظر حوله بِحيْرة ليجدَها تقول: “لعلّك كنتَ تتمنّى لو أرضيتُ غرورَك، فشكوتُ لك من سوء التّجربة لتشعرَ أنّك المنقذُ والمخلّص والفارسُ الموعود… لكن، لن أفعل، فلم أكن الضّحيّة، ولم يكن هو الجلاّد!” فأجابها كالمأخوذ وهو يميلُ باتّجاهها من جديد: “أحبّكِ وكفى… سنرتبط أيّتها الغالية، سنمضي بما اتّفقنا عليه” ولمّا ابتسمت بحياء، شعرَ أنّه ملَكَ الدّنيا! في مساء اليوم ذاته، أعلنَ عن قراره للعائلة، فساد الجوَّ امتعاضٌ ووجوم، إلى أن انبرت أختُه الصّغرى للإعلان بانفعالٍ وغضب أنّها حزينةٌ عليه، ولا يجوز لشابٍّ مثلِه أن يرتبط بأمثالها… لتتساءلَ بنبرةٍ خطابيةٍ مستهجِنة كيف سمحَ لنفسه بالتّهوّر، والوقوع في حبائل “مطلّقة” في الوقت الذي تتمنّى فيه أيُّ “آنسة” الارتباطَ به! وقام مغادراً بهدوء، فلم يشأ تصعيدَ الموقف معها بحضور والدته، وأفرادِ العائلة، إذ اعتادَ مثلَهم على ردود أفعالها الحادّة، وصوتِها الذي يعلو فجأةً عند أيّ نقاش … وكيف تفقدُ السّيطرةَ على نفسها في لحظات غضبها، فتؤذي مَن حولها بكلماتٍ موجعة… لكن دأبَ ومن حوله في البيت، على مجاراتها واحتوائها، وعلى تحمّل ثوراتها الصّاخبة! ولم يكن ذاك ما استوقفه فعليّاً، بل صدمَه موقفُها الآخر، واستخدامُها للقب “مطلّقة” بحدّةٍ وتحاملٍ وقسوة، وهي الجامعيّةُ المعروفةُ بثقافتها، وسعة اطّلاعها… بعد مدّة، نفَّذ ما نواه، فارتبطَ بمن أحب، لتمرَّ أيّامُه وهو يقرأ نظراتِ الرّفض من أهله لها في كلِّ مناسبة تجمعُهم، ولم يكن ذلك ليدهشَه، بل صمتها هو الذي كان يقتله تماماً … إذ لم يسمعْها تشكو يوماً من حصار النّفور الذي يفرضونه حولها في أيّ لقاء، خاصّة، خلال حفل الزّفاف الأخير، زفاف أخته إيّاها التي أعلنت له صراحةً أنَّ وجودَ زوجتِه في الحفل سيُطفئ فرحتَها وبهجتَها، ويسرقُ سعادتها باليوم الموعود ! ولم تمضِ شهور، حتى كان قد استدعيَ إلى اجتماعٍ عاجل مع العائلة لحسمِ موضوعٍ مفاجئ، مؤلمٍ، صادم… طلاقِ أخته بعد تصاعد خلافاتها مع الزّوج، وعلى الرّغم من ضيقه بالحدَث، لكنّه استطاع تخيّلَ الأسباب، ببساطة، وهو يستمعُ لثرثراتها الجارحة عن الزّوج، ما يُقال وما لا يُقال، وعن طباعِه التي لا تُحتمل، حسب تعبيرها! رغم ذلك، بقي حولها، ليساعدها في إنهاء القضيّة بأقلِّ قدْرٍ من الأضرار، ثمَّ جلسَ في موقع المترقّب ليرى كيف ستجري أمورُ الحياةِ معها لاحقاً! المقال السابق للكاتبة للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنااضافة اعلان