تركيا تحصل على ما تريده في ليبيا

إيان جيه. لينش* - (أحوال تركية) 12/6/2020

بدأ المشهد العام للحرب الأهلية الليبية يتغير فجأة. في 4 حزيران (يونيو)، وبدعم عسكري حاسم من تركيا، استطاعت حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة أن تنهي الهجوم الطاحن الذي استمر 14 شهرًا على طرابلس، والذي شنه الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، لكنهم لم يتوقفوا عند ذلك الحد. وحرصًا على كسر حصار حفتر على صناعة النفط المربحة في ليبيا، تقاتل قوات حكومة الوفاق الوطني الآن للسيطرة على سرت، البوابة الاستراتيجية لحقول النفط الشرقية في ليبيا.
في 6 حزيران (يونيو)، استأنف حقل الشرارة النفطي جنوب طرابلس الإنتاج بعد حصار دام أربعة أشهر فرضه الجيش الوطني الليبي، بعد أن تخلت وحدات الطوارق المحلية عن دعم حفتر وانضمت لحكومة الوفاق الوطني. ومع ذلك، فإن العديد من عمليات الإغلاق التي قامت بها وحدات الجيش الوطني الليبي أظهرت مدى هشاشة تأثير حكومة الوفاق الوطني على الجنوب الغربي.
يقول أنس الجماتي، مدير مؤسسة "الصادق": "تظهر حكومة الوفاق الوطني الآن تماسكاً لمحاولة إنهاء مشروع حفتر لإعادة البلاد إلى الحكم القاسي ومحاولة تدمير أي شكل من أشكال المعارضة سواء بالوسائل السياسية أو الاجتماعية أو العسكرية. وقد توحدت حكومة الوفاق الوطني وجماعاتها المسلحة أمام تهديد مشترك، مما سيساعد على دفع حفتر إلى منطقة شرق ليبيا".
قد تشير إعادة رسم خطوط المعركة إلى أن موسكو، أحد الداعمين الرئيسيين للجيش الوطني الليبي، نسقت تراجع المرتزقة الروس مع أنقرة على حساب حفتر. لكن الانتصارات الساحقة للقوات المتحالفة مع حكومة الوفاق الوطني لن تؤدي إلى وضع نهاية سريعة للصراع الليبي. فلا حكومة الوفاق الوطني ولا الجيش الوطني الليبي يعتبران كيانين وحدويين، ويعتمد كلاهما على المستفيدين الدوليين لاسترضاء وتنظيم تحالفاتهم المحلية من السياسيين الليبيين وقادة الميليشيات.
تنقسم السيطرة السياسية الاسمية على ليبيا بين حكومة الوفاق الوطني التي تتخذ من طرابلس مقراً لها والتي أنتجتها محاولة الأمم المتحدة تشكيل حكومة وحدة وطنية في العام 2015، ومجلس النواب الواقع في طبرق والذي يقف في جانب الجيش الوطني الليبي الذي تم تشكيله بعد انتخابات متنازع عليها في العام 2014.
أدت التدخلات التركية والروسية في ليبيا إلى إطالة أمد القتال وتأجيجه، لكن لكليهما مصلحة في تخفيف تصاعد الأعمال العدائية التي من شأنها السماح لهما بجني الفوائد الاقتصادية من تدخلهما، بشكل رئيسي في صناعة النفط. وهكذا، أطلقت أنقرة وموسكو عدة دعوات مشتركة هذا العام من أجل وقف إطلاق النار ودعم عملية السلام التابعة للأمم المتحدة، لكن حفتر أفسد جهودهما.
وعلى الرغم من التدويل المعقد للصراع وحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة، تمكن حفتر من تجاهل الجهود متعددة الجنسيات لبدء عملية سياسية في مؤتمر برلين في كانون الثاني (يناير). وعلى الرغم من أن الإمارات تدعم الجيش الوطني الليبي، فقد عرضت مصر الحد الأدنى من المساعدة على حفتر، وتشير مبادرتها الدبلوماسية الجديدة إلى أن القاهرة قد تفضل الوقوف بجانب سياسيين ليبيين آخرين في الشرق.
ويبدو أيضًا أن روسيا تعدل استراتيجيتها في ليبيا. فقبل الضربات الجوية التركية وتقدم حكومة الوفاق الوطني، قامت قوات "واغنر" بإخلاء مواقع الجيش الوطني الليبي في طرابلس، وتراجعت لتعزيز سرت وقاعدة الجفرة الجوية حيث تقول الولايات المتحدة إن موسكو أرسلت مقاتلات الشهر الماضي. وبحسب ما ورد، تم نقل الطائرات عبر سورية، حيث تم إخفاؤها لحماية روسيا من العقوبات المحتملة لانتهاكها حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة.
بالتخلي عن هجوم حفتر على طرابلس، قد تشير روسيا إلى تحول في الدعم لمنافس حفتر، رئيس برلمان حكومة طبرق عقيلة صالح، الذي يؤيد حلًا سياسيًا للحرب. وبينما كانت قواته تُوجّه من الغرب، كان حفتر في القاهرة إلى جانب صالح مؤخراً لتأييد دعوات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى وقف إطلاق النار والحوار الوطني، مما يسلط الضوء على موقف القائد المتضائل مع شركائه المحليين والدوليين.
ومع ذلك، فإن حكومة الوفاق الوطني لديها حافز ضئيل لاستئناف المحادثات حتى يتوقف تقدمها العسكري. وفي حين تم طرد الجيش الوطني الليبي من ترهونة مؤخراً، وهي آخر موطئ قدم له في ضواحي طرابلس، كان رئيس الوزراء في حكومة الوفاق، فايز السراج، يحضر اجتماعاً في أنقرة مع الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي تعهد بأن تزيد تركيا دعمها للحكومة التي تتخذ من طرابلس مقراً لها.
وقال السراج في أنقرة: "لن نعطي حفتر الفرصة للتفاوض في العملية المقبلة". ثم رفض في وقت لاحق دعوات القاهرة إلى وقف إطلاق النار. وقال: "سنواصل قتالنا حتى نزيل العدو تماماً".
وتقول حكومة الوفاق الوطني إنها تعتزم الاستيلاء على سرت وقاعدة الجفرة الجوية، على الرغم من التحذيرات الروسية المزعومة، لكن القتال المطول في سرت يشير إلى أن الهجوم المضاد لحكومة الوفاق قد وصل إلى حدوده. وتبقى المفاوضات المقبلة مسألة مفتوحة.
تفضل تركيا تحقيق نصر كامل لحكومة الوفاق الوطني، وستكون حذرة من أي عملية مصالحة وطنية يمكن أن تبطل معاهدة الحدود البحرية التي وقعتها مع حكومة الوفاق الوطني في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي.
وهذه الاتفاقية هي الدعم الدولي الوحيد الذي تقدمه تركيا لمطالبها الخاصة بالمنطقة الاقتصادية الخالصة في شرق البحر الأبيض المتوسط، وهو الذي يرفضه الاتحاد الأوروبي واليونان وقبرص ومصر وإسرائيل.
قد تنضم موسكو وأنقرة إلى الدعوات الدولية إلى بدء عملية مصالحة وطنية تحت رعاية الأمم المتحدة، ولكن من المرجح أن تسعيا إلى تقاسم ضمني لمجالات نفوذهما من أجل حماية المصالح الجيوسياسية والتجارية التي تنتج عن تدخلاتهما. لكن هذا لن يؤدي سوى إلى إدامة الكارثة الإنسانية للصراع وإحباط تطوير الحكم الفعال في ليبيا.
يزيد انخفاض قدرة حفتر على توزيع الدعم مع كل خسارة متتالية من احتمال حدوث انشقاقات في معسكره، إما للاصطفاف مع حكومة الوفاق الوطني أو الدفاع عن النفس. وإذا تمكنت حكومة الوفاق الوطني بنجاح من إزالة التهديد الوجودي لهجوم حفتر، فإن الانقسامات بين الفصائل والميليشيات المتحالفة مع حكومة الوفاق ستظهر أيضًا نظرًا للتعددية الليبية.
وسواء توصل الجانبان المدعومان من تركيا وروسيا إلى ترتيب جديد أو بدأت عملية مصالحة وطنية جادة، فمن المرجح أن يؤدي التحول في التسلسل الهرمي إلى ظهور المظالم الكامنة، مما يغذي المنافسة العنيفة بين الجماعات المسلحة المنقسمة في ليبيا. وقد ظهرت بالفعل تقارير تتحدث عن جرائم الانتقام والنهب في ترهونة منذ أن تخلى الجيش الوطني الليبي عنها.
وقال الجماتي: "تقف حكومة الوفاق الوطني في وضع صعب للغاية. من الواضح أنهم بحاجة إلى فعل المزيد لأن العديد من القوى التي دخلت ترهونة بدأت في الانتقام، وتحديداً في منزل محمد الكاني، الذي فجّروه. وكان محمد الكاني هو قائد الميليشيا التي تقاتل نيابة عن قوات حفتر".
كما تم الكشف عن وجود مقابر جماعية في ترهونة. وقال الجماتي: "من أجل أن تثبت حكومة الوفاق الوطني أنها قادرة على الاستجابة لقضايا الظلم ومساءلة الأطراف المذنبة، فإنه يجب عليها القيام بأكثر من مجرد توفير الشرطة والقانون والنظام. يجب أن تكون هناك تحقيقات في جرائم الحرب لتحديد ما يجري هناك".

اضافة اعلان

*أكاديمي مهتم بشؤون الشرق الأوسط