تركيا.. تصفير المشاكل ينتهي بورطة (2-2)

من طرفهم، لا يشعر الساسة الأتراك بأي مسؤولية عما آلت إليه علاقات بلادهم مع دول عربية. قبل موجة التغيير التي ضربت المنطقة العربية، كان طموح السياسة الخارجية التركية تصفير المشاكل مع جوارها، شرقا وغربا. وقد حققت تركيا في هذا المضمار نتائج متقدمة؛ فنسجت أفضل العلاقات مع مصر ودول الخليج والأردن، ومن قبل مع سورية. وحظيت "الأردوغانية" بتأييد ساحق في الشارع العربي، وأصبحت التجربة التركية في الإصلاح والتنمية نموذجا يحتذى.اضافة اعلان
لكن رياح التغيير التي هبت على المنطقة قلبت المعادلة والتحالفات القائمة. دعمت تركيا ثورات الشعوب العربية في تونس ومصر وليبيا. في سورية، حاولت لعب دور الوسيط لإنقاذ النظام من السقوط، لكن جهودها أخفقت، فانتقلت إلى صف الثورة، واتخذت موقفا عدائيا من نظام الأسد.
تطورات الموقف التركي اللاحقة من الثورات العربية معروفة للجميع، ولا داعي لسردها. المهم، كيف تنظر تركيا اليوم لعلاقاتها مع الدول العربية؟
ما من سياسي التقيناه في تركيا إلا وسألنا عن موقف الشارع العربي من تركيا حاليا. السؤال المتكرر يعكس شعورا بالقلق من الانقسام الحاصل في الرأي العام حيال دور تركيا وطموحاتها في المنطقة، وتحالفاتها أيضا.
لا يشعر المسؤولون الأتراك بالذنب تجاه سورية؛ ما يزالون على قناعة تامة بصحة موقفهم من نظام الأسد، وبأنهم "لم يخذلوا الشعب السوري". صحيح أن تركيا لم تعد مندفعة خلف شعار إسقاط النظام كما كانت من قبل، وتؤكد دعمها للحل السياسي الديمقراطي، لكن وكما قال نائب رئيس الوزراء التركي أمرالله إشلر: "ضميرنا مرتاح. بذلنا كل ما بوسعنا لتجنيب سورية هذا الوضع"، لكن المسؤولية تقع على عاتق النظام السوري بالدرجة الأولى، وعلى المجتمع الدولي الذي لم يتحرك بجدية كافية.
والمسؤولون الأتراك على قناعة تامة بأنه "مهما كانت الظروف، لا بد من مرحلة انتقالية لا يمكن لبشار الأسد أن يستمر بعدها".
موقف تركيا من الأزمة السورية كان سببا إضافيا للتقارب مع دول الخليج والسعودية التي وقفت بقوة ضد نظام الأسد. لكن القشة التي قصمت ظهر العلاقات التركية-السعودية هي مصر. دعم السعودية للجيش في قراره عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، أحدث شرخا عميقا في علاقات البلدين.
يتحدث مسؤولون كبار في الحكومة والحزب الحاكم في تركيا بأسى عن موقف السعودية من الانقلاب في مصر، ويصفونه بالطعنة الغادرة. ويتساءل أحدهم: "لماذا فعلت السعودية ذلك؟ كان بإمكانها أن تشتري الإخوان المسلمين من دون الحاجة إلى الانقلاب عليهم".
إشلر يؤكد بلغة واثقة: "موقفنا من مصر مشرف، بصرف النظر عن هوية رئيس الجمهورية المنتخب". وهذا ما يؤكده جميع المسؤولين؛ "لم ندعم مرسي لأنه من التيار الإسلامي، بل لأنه رئيس منتخب".
لكن ماذا ستفعل تركيا بعد فوز عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ هل تتعامل مع الأمر الواقع، أم تتمسك بمقاطعتها لمصر؟
لم نحصل على جواب واضح عن هذا السؤال. ويفضل المسؤول التركي تأجيل الجواب للمستقبل، وليتأكدوا أولا إن كانت الانتخابات الرئاسية في مصر ستلبي الشروط الديمقراطية.
غير أن ما يقلق المسؤولين الأتراك أكثر هو "تورط" دول عربية في ما يصفونها بالمؤامرة التي تتعرض لها تركيا حاليا، ووقوف تلك الدول خلف جهات داخلية تسعى إلى إثارة الفوضى في أنحاء البلاد. ويرى مسؤول بارز في الحكومة أن دولا عربية تسعى إلى تحطيم التجربة التركية، لأنها مصدر إلهام للشعوب العربية. فيما يخص الموقف من الأردن، يقول المسؤولون الأتراك "لا مشاكل بيننا وبين الأردن، والعلاقات متميزة رغم التباين في وجهات النظر حيال بعض القضايا"؛ في إشارة ضمنية للخلاف حول التطورات في مصر.  لم تصمد سياسة تصفير المشاكل طويلا. لكن تركيا ليست وحدها المسؤولة عن حالة التوتر القائمة؛ فالعالم العربي يشهد تحولات غير مسبوقة، عصفت بعلاقات دوله ونظمه الحاكمة، والأزمة بين الدول الخليجية خير مثال.