تركيا..لاسامية أم لااسرائيلية؟

 

يديعوت - درور زئيفي  

قبل بضع سنوات صور في تركيا فيلم "وادي الذئاب" الذي يعرض جنودا اميركيين يقتلون اطفالا ونساء، وطبيبا أميركيا يسلب أعضاء من مواطنين قتلى. وأذكر جيدا ايضا المظاهرات الانسانية للاتراك ضد الاجتياح الاميركي للعراق، ورفضهم السماح للاميركيين نقل القوات عبر الدولة ومقاطعة "كوكا كولا" من انتاج الولايات المتحدة.

اضافة اعلان

كل هذا لا يظهر بالضرورة بان الاتراك هم لا مسيحيين أو لا غربيين، بل ان لديهم انتقاد حاد جدا  للخطوات الأميركية وللطريقة التي يقاتل بها الأميركيون في العراق. هذا الانتقاد تغذية "الجزيرة"، من خلال كشف التعذيب في سجن ابو غريب والحالات التي قتلت فيها القوات الأميركية عن قصد، وعلى سبيل الخطأ او من خلال الاهمال مواطنين عراقيين.

الانتقاد لإسرائيل اليوم يشبه جدا الانتقاد اياه، والان ايضا يجد تعبيره في عرض جنود إسرائيليين كقتلة في التلفزيون التركي، والغاء المناورة الجوية وملاحظات التوبيخ من جانب رئيس الوزراء اردوغان. لكن الافتراض بان اللاإسرائيلية معناها لا سامية ليس بالضرورة صحيحا. كما ينبغي لنا أن نتذكر بانه الى جانب كراهية الاجانب، التي كانت قائمة دوما فيها بهذا القدر أو ذاك، فان تركيا كانت احدى الدول الوحيدة التي منحت ملجأ للعلماء والاكاديميين اليهود من المانيا عشية الحرب العالمية الثانية، والدولة الاسلامية الوحيدة التي اعلنت عن نفسها علمانية. وبصفة شخصية يمكنني أيضا أن اشير إلى أنني قضيت في تركيا سنوات ولم أواجه ابدا أي عداء بسبب هويتي.

ولكن فحصا معمقا يظهر أنه حتى من دون صلة بالسياسة الاسرائيلية، يبدي الاتراك ميولا عدائية، وترفع اللا سامية رأسها في تركيا.

اللاسامية وكراهية الاجانب لم تختفيا من تركيا وعلى مدى السنين وجدت فيها الى جانب الانفتاح التقليدي. "بروتوكولات حكماء صهيون" وكتب تربط بين اليهودية والبناة الاحرار والسيطرة على العالم كانت دوما شعبية في الاسواق. وقد صدر مؤخرا كتاب "ابناء موسى" الذي يدعي بان صعود اردوغان وحزبه الى الحكم هو جزء من مؤامرة يهودية دولية، وعلى الفور اصبح عظيم الانتشار.

قبل نحو اسبوعين نشر في تركيا استطلاع كبير "بتمويل من الاتحاد الاوروبي" سعى الى فحص موقف الاتراك، من كل الاديان، من جيرانهم، وابناء الجماعات الدينية والعرقية الاخرى، ولا سيما اليهود. وشارك في هذا الاستطلاع أكثر من الف شخص في شوارع الدولة، وكانت النتائج غير مشجعة، فمعظم المستطلعين (نحو 90 في المائة) لا يسكنون قرب يهود وأغلبية كبيرة (نحو 75 في المائة) لا يعرفون شيئا عن اليهودية. ولكن اغلبية المسلمين لديهم رأي سلبي نسبيا عن اليهود واليهودية، ونحو 61 في المائة منهم لا يريدون السكن بجوار يهود أتراك. نحو نصف المستطلعين أعربوا عن تحفظهم على انخراط اليهود في أدوار أمنية، أو سياسية أو تمثيلية في الدولة. وبالمناسبة، الوحيدون الذين هم أقل عطفا من اليهود في نظر الجمهور هم اولئك الذين يعرفون انفسهم بانهم لا دين لهم.

في ضوء هذه المعطيات والتطورات الاخيرة يمكن القول انه في السنوات الاخيرة تتنامى اللاسامية في الدولة، ويتحد فيها طرفان– اللاإسرائيلية التي تقترب احيانا من اللاسامية، السائدة في اليسار الغربي وممثلوها البارزون هم في الاكاديميا، واللاسامية التقليدية "للبروتوكولات" التي اصبحت خبزا مشروعا لدى عموم الجمهور في الدول العربية. بتعبير آخر، تركيا التي تشكل جسرا بين اوروبا والشرق تجد نفسها تشكل جسرا ايضا للربط بين هاتين الرؤيتين، اللتين يبدو تداخلهما مخيفا ومنفرا.

بصفتي باحثا في شؤون الشرق الاوسط، وكمحب لتركيا ومؤمن بان بوسعها أن تكون مثالا ونموذجا للانخراط في العالم الحديث واحلال السلام في المنطقة بأسرها، آمل بان يعمل الشعب التركي وحكومته على وقف هذا الانجراف والفصل بين اللا سامية التي هي غير شرعية بأي حال وبين الانتقاد المتوازن لسياسة حكومة إسرائيل.