تركيا نافدة الصبر تستعد لدخول شمال شرق سورية

Untitled-1
Untitled-1

تقدير موقف - (ستراتفور) 7/8/2019
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

إضاءاتاضافة اعلان
أدت مجموعة من الأحداث التي وقعت في السنوات الأخيرة إلى توتير الشراكة الوثيقة بين الولايات المتحدة وتركيا. وسيكون من شأن هجوم تشنه تركيا على شمال شرق سورية أن يزيد من اضطراب هذا التحالف المتعَب أصلاً، مما سيؤدي إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك قيام أميركا بفرض عقوبات اقتصادية محتملة على تركيا.

  • حذرت تركيا منذ فترة طويلة من هجوم وشيك قد تشنه على شمال شرق سورية، لكن تحذيراتها الأخيرة تشير إلى أن القيام بتوغل أصبح وشيكاً حقاً هذه المرة.
  • يمكن أن يدفع مزيج من نفاد الصبر التركي وضيق نافذة العمل أنقرة إلى إطلاق العملية العسكرية أخيراً.
  • ولكن، بالنظر إلى أن عملية أحادية الجانب تنفذها تركيا سوف تزعج الولايات المتحدة إلى حد كبير، فمن المحتمل أن ترد واشنطن بعمل انتقامي كبير أيضاً.
  • * *
    كان الرئيس التركي قد أطلق مثل هذا التهديد من قبل، لكنه قد يكون حقيقياً هذه المرة. في 6 آب (أغسطس)، كرر رجب طيب أردوغان تحذيراته من أن تركيا تستعد لشن عملية عسكرية ضد وحدات حماية الشعب الكردية المتواجدة في منطقة شرق نهر الفرات في شمال شرق سورية. وجاء التصريح الأخير بعد يومين من إعلان أردوغان أن أنقرة أبلغت كلاً من الولايات المتحدة وروسيا بخططها بهذا الخصوص.
    وليس هذا بالتأكيد تحذير تركيا الأول من عزمها على شن هجوم وشيك في شمال شرق سورية. فلطالما سعت تركيا إلى دخول تلك المنطقة؛ حيث تسيطر قوات سورية الديمقراطية التي تتكون في أغلبها من قوات وحدات حماية الشعب الكردية. وحتى الآن، لم تقم تركيا بعملية توغل بسبب وجود القوات الأميركية هناك، بالإضافة إلى معارضة واشنطن لأي خطوة من هذا القبيل. ولكن، يبدو أن صبر أنقرة قد نفد، وتشير عوامل عدة إلى أن تركيا ستقوم بتنفيذ عملية توغل عاجلاً وليس آجلاً -بغض النظر عن التكلفة الاقتصادية التي ستستتبعها.
    تركيا سئمت من الانتظار
    يتمثل أحد العوامل الرئيسية التي تقود عملية توغل تركية محتملة في فشل المفاوضات الأميركية-التركية حول هذه القضية. لطالما كانت أنقرة تأمل في أن يتفق الطرفان على إنشاء منطقة عازلة كبيرة في شمال شرق سورية، والتي تسمح لقواتها بدخول المنطقة من دون ذلك التدهور الذي لا مفر منه في العلاقات الثنائية، والذي سيصاحب عملية تطلقها تركيا من جانب واحد. وضغطت تركيا من أجل إقامة منطقة يبلغ طولها 32 كيلومتراً (20 ميلاً) على طول الحدود التركية السورية إلى الشرق من نهر الفرات، والتي سيكون من شأنها أن توفر حاجزاً كبيراً بين وحدات حماية الشعب الكردية وتركيا، والتي ستسمح لأنقرة بإعادة توطين المزيد من اللاجئين السوريين في المنطقة وتمنح تركيا فرصة لتأسيس وكلاء سوريين متحالفين معها، كما فعلت في منطقة غرب نهر الفرات. ولعل من غير المفاجئ أن ترفض وحدات حماية الشعب الاقتراح رفضاً قاطعاً، وقالت إنها ستوافق فقط على منطقة عازلة يبلغ طولها 5 كيلومترات في المناطق غير المأهولة بالسكان على الحدود؛ حيث تقع بعض من أكبر مدن المنطقة على الحدود التركية. وبالإضافة إلى ذلك، قالت وحدات حماية الشعب إنها لن تقبل أي منطقة عازلة تكون خاضعة لسيطرة تركيا.
    وفقاً لصحيفة "الواشنطن بوست"، وصل وفد من وزارة الدفاع الأميركية إلى تركيا في 5 آب (أغسطس) لإجراء مفاوضات الأمتار الأخيرة لمحاولة الخروج من هذا المأزق؛ حيث قدم الوفد اقتراحاً توفيقياً يتضمن إقامة منطقة عازلة تغطي مسافة يتراوح طولها بين 14 و15 كيلومتراً على طول ثلث مساحة الحدود السورية التركية إلى الشرق من الفرات، والتي بحراستها وتسيير الدوريات فيها تشكيلات مشتركة من القوات الأميركية والتركية. وفي حين أنه ما يزال من الممكن التوصل إلى اتفاق في الأمتار الأخيرة بين البلدين، فإن من المرجح أن تفشل المحادثات في ضوء التباين الكبير بين مواقف الطرفين بشأن مساحة ونطاق المنطقة العازلة المقترحة. وفي حال انهارت المحادثات، من المرجح أن تمضي تركيا -التي سئمت مما تعتبره غياب أي تنازلات أميركية ولجوء الأميركيين إلى تكتيكات للمماطلة- في تنفيذ توغل أحادي الجانب على شمال شرق سورية بعشرات الآلاف من قواتها الجاهزة للقتال، والتي كانت قد نشرتها مسبقاً على الحدود.
    كما أن التوقيت أيضاً قد يدفع تركيا إلى دخول شمال شرق سورية عاجلاً وليس آجلاً. وتشعر أنقرة بالقلق من أنها إذا أطالت أمد انتظارها، فإن الولايات المتحدة ستجد الوقت اللازم لجلب المزيد من القوات المتحالفة إلى المنطقة -الأمر الذي سيجعل من تدخل تركيا هناك أكثر تكلفة من الناحية السياسية. وفي الوقت نفسه، تمكنت تركيا من التوصل إلى اتفاق آخر لوقف إطلاق النار مع روسيا، والذي يشمل القوات التابعة لها وحلفاءها في محافظة إدلب في غرب سورية. ولكن، وكما يتضح من استئناف الجيش السوري للغارات الجوية ضد المتمردين في 5 آب (أغسطس)، فإن وقف إطلاق النار هذا هش بطبيعته، وهو ما يعني أن لدى تركيا نافذة محدودة فقط لشن هجوم في الشمال الشرقي قبل اندلاع القتال بشكل شبه مؤكد في الشمال الغربي السوري، والذي سيكون عامل تشتيت. وبغض النظر عن احتمال انتهاء التهدئة المحتمل في إدلب، فإن وقف إطلاق النار نفسه يشير إلى أن روسيا أعطت الضوء الأخضر لتركيا لتنفيذ خططها في الشمال الشرقي، مما يجعل موسكو تشعر بلا شك بسعادة أكبر بدق إسفين أعمق بين أنقرة وواشنطن نتيجة للعملية.
    خاصرة تركيا الضعيفة
    بطبيعة الحال، سوف يوجه هجوم تركي يُشن على قوات سورية الديمقراطية في شرق الفرات ضربة شديدة للعلاقات الأميركية-التركية الغارقة حتى أنفها مسبقاً منذ أن اشترت تركيا نظام الدفاع الصاروخي الروسي "أس-400"، وهو ما دفع واشنطن إلى الانتقام بحظر مبيعات طائراتها من طراز "ف-35" لأنقرة. ثم هناك خطر إضافي يتمثل في نشوب مواجهة عرضية بين القوات التركية القادمة والقوات الأميركية الموجودة حالياً في المنطقة. ومما يثير القلق بالقدر نفسه بالنسبة للولايات المتحدة هو احتمال أن يسمح القتال العنيف الذي سينشب بين الأتراك وقوات سورية الديمقراطية لبقايا تنظيم "داعش" بالاستفادة من الفوضى لإعادة التجمع.
    بطبيعة الحال، سيكون من شأن هجوم تشنه تركيا على قوات سورية الديمقراطية في منطقة شرق الفرات أن يشكل ضربة قوية للعلاقات الأميركية-التركية. وحتى الآن، قاوم الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض أحكام "قانون مكافحة خصوم أميركا من خلال العقوبات" (CAATSA) وغيره من آليات العقوبات ضد تركيا، لكن من المحتمل أن تطبق واشنطن عقوبات جديدة ضد أنقرة بعد أي عملية تركية من هذا القبيل، مما يزيد من الخصومة بين الدولتين. وفي الرد على ذلك، قد تختار أنقرة الانتقام من الشركات الأميركية العاملة في تركيا، بينما يُرجح أن تسعى إلى توثيق علاقاتها مع روسيا والصين لموازنة علاقتها المتآكلة مع الولايات المتحدة.
    سيكون من شأن توغل جديد تركي في داخل شمال شرق سورية أن يشكل أيضاً خطراً كبيراً على الاقتصاد التركي المثقل بالديون، والذي نهض مؤخراً فقط من الركود الذي ابتليت به البلاد في نهاية العام 2018. وما تزال معدلات التضخم والبطالة في البلد مرتفعة، في حين تراجع الاستهلاك المحلي للسلع والخدمات. وبالإضافة إلى التهديد الذي يشكله احتمال تطبيق قانون مكافحة خصوم أميركا من خلال العقوبات، هدد البيت الأبيض بمعاقبة تركيا إذا لم تمتثل لرغبات السياسة الأميركية في سورية؛ ويمكن أن تزيد مثل هذه الصدمة من الضغط الهبوطي على قيمة الليرة التركية الهشة، التي عانت مسبقاً من أزمة عملة شديدة في العام 2018. وفي النهاية، وعلى الرغم كل صفاته الزئبقية، ظل أردوغان ثابتاً على جبهة سياسية واحدة: منح الأمن القومي الامتياز والأولوية على المخاوف الاقتصادية. وبينما تستعد تركيا لضرب شمال شرق سورية، يكون البلد على وشك معرفة المدى الذي يمكن أن يذهب إليه تدني اقتصاده -وعلاقاته مع الولايات المتحدة نتيجة لهذه المغامرة.

*نشر هذا التقدير تحت عنوان: An Impatient Turkey Gets Ready to Enter Northeastern Syria