تركيا وإسرائيل ..والتفاهم الصعب

مروان سمور منذ وصول حزب العدالة والتنمية للحكم في تركيا في العام 2002، تبنى سياسة بناء شرعيته، داخليا من خلال الالتزام بالنهج العلماني الاتاتوركي، وخارجيا من خلال التوجه التقليدي للدولة التركية في السعي لدخول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تبنيه سياسة «صفر مشاكل» من خلال سعيه لتحسين العلاقات السياسية مع دول الجوار، ومحاولة ايجاد ارضية مشتركة تخدم مصالح تركيا ودول الجوار ايضا. وفي اطار سعي «الحزب» ليكون لتركيا دور دبلوماسي اكبر، ولفرض نفسه كلاعب مهم في الوساطات الاقليمية والعالمية، حاولت القيادة التركية تعزيز علاقاتها مع الفلسطينيين والإسرائيليين وحافظت على مسافة واحدة من الجانبين، في إطار تدعيم دورها كوسيط بينهما، وايضا حافظت - بنفس الوقت- على علاقة جيدة مع حركة المقاومة «حماس» . ولكن هذا الدور الوساطي خسر مفعوله عندما انتقدت القيادة التركية بشدة الحرب الإسرائيلية على غزة العام 2008، وكان رد المسؤولين الإسرائيليين بالمقابل بتوجيه انتقاد حاد لسياسات تركيا تجاه الأرمن والأكراد وقبرص اليونانية. وفي مؤتمر دافوس العام 2009 تصاعدت الأزمة بينهما، عندما انتقد أردوغان «العنف غير المبرر» من اسرائيل في حربها على غزة العام 2008. وبعد فترة اتسمت العلاقات التركية الإسرائيلية بعدم الاستقرار، ما بين التوتر في العلاقات واحيانا الجمود، حيث دخلت العلاقات بين الطرفين بسلسلة منحنيات من التقارب والتباعد منذ العام 2002. وكان الاعتداء الذي نفذه الجيش الإسرائيلي يوم (31 أيّار 2010) على سفينة «مافي مرمرة» التركية، (حين قام بقتل 10 مواطنين أتراك على متن السفينة أثناء إبحارها بالمياه الدولية في طريقها إلى غزة) سببا مباشرا في قطع العلاقات بينهما. وعلى إثره قامت تركيا بسحب سفيرها من «إسرائيل»، وطالبتها بالمقابل بتقديم اعتذار رسمي، ودفع تعويضات لعائلات الضحايا، ورفع الحصار عن قطاع غزة، وذلك كشرط أساسي لعودة العلاقات بينهما . وأمام رفض «إسرائيل» للمطالب التركية، طردت تركيا السفير الإسرائيلي لديها في أيلول 2011، وخفضت المستوى الدبلوماسي إلى «قائم بالأعمال». وفي 22 آذار 2013 قدم «نتنياهو» اعتذارا رسميا لنظيره التركي «أردوغان» - خلال مكالمة هاتفية - على الهجوم، واعترف بحدوث «بعض الأخطاء العملية»، وتعهد بدفع التعويضات لأسر الضحايا، وايضا اتفق الجانبان على تبادل السفراء وتطبيع العلاقات، ولكن اسرائيل لم تفعل شيئا مما وعدت به، وأدى ذلك لعودة لجمود في علاقاتهما. وفي اغسطس العام 2016 أعلنت تركيا عن اتفاق تطبيع العلاقات بينها وبين اسرائيل، حيث تم فيه تبادل السفراء بكلا البلدين، وتَعهدت اسرائيل بالمقابل بدفع تعويضات قدرها 20 مليون دولار لأقارب ضحايا سفينة مرمرة ، وإيصال المساعدات لقطاع غزة المحاصر. وبالرغم من ذلك، فإن اتفاقية تطبيع العلاقات التي تم التوصل إليها في 2016 لم تدفع بعلاقاتهما الى الامام، وبقيت العلاقات باردة بين الطرفين في أفضل الأحوال. وعندما ظهر فيروس (كوفيد 19) المستجد لاحت فرصة عودة العلاقات مجددا بينهما، وذلك عبر سماح تركيا لـ«إسرائيل» بشراء المستلزمات الطبية من تركيا لمواجهة هذا الفيروس مع اشتراط تركيا لسماح اسرائيل لها بإرسال شحنة مشابهة للجانب الفلسطيني. وفي سياق العلاقات التجارية والسياحية بينهما: فقد وصل عدد السياح الاسرائيليين الى تركيا في العام 2019 الى 569 ألفا. اما الصادرات التركية إلى «إسرائيل» فلقد بلغت العام 2019 الى أربعة مليارات و359 مليون دولار، والصادرات من «إسرائيل» فلقد بلغت مليارا و743 مليون دولار. وعلى صعيد ازمة شرق البحر المتوسط، فإن اسرائيل وجدت نفسها جزءا من محور يضمّ قبرص واليونان وفرنسا، وتريد تأمين نقل ثرواتها من الغاز المكتشف إلى أوروبا عبر أنبوب يمرّ من تحت مياه البحر المتوسط عبر قبرص واليونان لتفادي تركيا، ولكن هذا المشروع يصطدم بالرفض التركي، الذي يريد ارغام اسرائيل على التفاوض معها. وبالنهاية، انه لمن الواضح أن إسرائيل وتركيا تدركان أن علاقتهما لن تعود لشهر العسل - الذي كان سائدا بينهما في فترة التسعينيات- . فقد أضحت تل أبيب تنظر إلى أنقرة بصفتها العقبة الأكبر أمام مشاريعها في المنطقة وبالذات مشروع «صفقة القرن» ، حيث من الممكن - حسب التقدير الاسرائيلي - أن تتحوّل تركيا إلى نقطة جذب لمعارضي إسرائيل في المنطقة، وخاصة اذا علمنا أن اسرائيل ادرجت - لأول مرة- تركيا على (لوائح التهديد لأمنها القومي) في تقديرها الاستخباراتي السنوي لعام 2020.اضافة اعلان