تساؤلات حول مدى فاعلية الرقابة على الجامعات

مبنى وزارة التعليم العالي -(تصوير: ساهر قدارة)
مبنى وزارة التعليم العالي -(تصوير: ساهر قدارة)

تيسير النعيمات

تُشكل المعلومات التي "تتكشف" بُعيد حدوث تغييرات في إدارات جامعات رسمية، هاجسًا لدى الكثير، أكان صانع قرار أم مواطن عادي، ما يفرض عدة تساؤلات حول مدى فاعلية أدوات الرقابة على هذه الجامعات، سواء من مجلس التعليم العالي أو مجالس الأُمناء أو مندوبي ديوان المحاسبة، لا بل ومُدققي الحسابات الخارجية.

اضافة اعلان


تلك "ظاهرة"، نستطيع القول إنها أصبحت تتكرر مرارًا في الأعوام الأخيرة، والتي في مُجملها تكشف عن وجود عجز كبير في موازنات جامعات رسمية، ومديونية مُرتفعة، فضلًا عن خلل إداري وآخر مالي.


اللافت للنظر، أن تقارير إدارات جامعات سابقة، وموازناتها المُصادق عليها من المجلس، وتقارير الرقابة الإدارية والمالية لمجالس الأُمناء، وكذلك تقارير ديوان المُحاسبة، كُلها تتحدث عن "فائض" في الموازنات، وحجم مديونية أقل، وغياب شبه تام لمُخالفات إدارية ومالية، أكدتها وثبتتها "التقارير اللاحقة"، أي بعد إجراء تغيرات في المناصب العليا لتلك الجامعات.


"الغد"، تلقت مُلاحظات مصدرها من أكثر من رئيس جامعة، تؤكد "أن بقاء مندوبي ديوان المُحاسبة في الجامعة لأعوام طويلة، دون تدوير لهم كل فترة مُحددة، قد يؤثر على دقة وموضوعية أعمالهم المُكلفون بها".


فعلى سبيل المثال، تقارير ديوان المُحاسبة لعام 2020، تحدثت عن فائض في موازنة جامعة رسمية، ليتبين بعد إجراء تغييرات على رئاستها، "وجود عجز كبير ومديونية مُرتفعة، ناهيك عن تجاوزات ومُخالفات إدارية ومالية"، حسب تقارير لـ"المحاسبة" لاحقًا.


قضية أُخرى، تمحورت حول تأكيد تقارير مُديري الرقابة المالية والإدارية في الجامعات الرسمية، والذين تُعينهم مجالس الأُمناء، لـ"حقائق ومعلومات وتجاوزات مالية وإدارية كبيرة، بعد تغيير رئيس الجامعة، لم تكن مجالس الأُمناء بصورتها"، ما يُشير لخلل في تقاريرهم، و"أن ولاء هؤلاء المديرين لرؤساء الجامعات، وليس لمجالس الأُمناء، فضلًا عن قصور كبير في عملهم".


إن مديري الرقابة هم في الأصل موظفون بالجامعة، وبالتالي فإن ارتباطهم اليومي وحاجتهم لرئيس الجامعة أكبر منه لمجلس الأُمناء، ما يتطلب ضرورة إعادة النظر في ذلك.


كما أن تعيين مُحاسب قانوني خارجي، لتدقيق الحسابات المالية الختامية للجامعة وتحديد أتعابه، يتم من قبل مجلس الأُمناء، إلا أنه يجري بتنسيب من مجلس الجامعة، الذي يرأسه رئيس الجامعة، ما يجعل المُحاسب القانوني حريصًا على رضى من يُنسب به ويُحدد أتعابه.


واعتمد مجلس التعليم العالي مطلع العام الماضي، مصفوفة خطة مُتابعة الحاكمية المالية والإدارية والخطط الاستراتيجية ومؤشرات الأداء الرئيسة في الجامعات الرسمية، حيث وجه الجامعات عبر مجالس أُمنائها إلى استخدام هذه المصفوفة، كخريطة طريق للإصلاح الإداري والمالي.


وتضمنت هذه المصفوفة عدة محاور، هي: الموازنات والحسابات الختامية، الموارد البشرية، الجامعة المُنتجة، اللوازم، وسائل النقل، الأجهزة والمُعدات، الخدمات المُساندة، التقنيات الحديثة، الشفافية، المُساءلة والمُحاسبة، الحاكمية الرشيدة، العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.


وأكد المجلس وقتها، ضرورة مُتابعة تقارير ديوان المُحاسبة، والإجابة على جميع الاستيضاحات الواردة في تقاريره.. ليبقى التساؤل "هل تحقق المجلس من مدى التزام الجامعات بها؟". كما حددت التشريعات الناظمة للتعليم العالي مسؤولية ومهام كل جهة ودورها الرقابي، فهل هي كافية؟، وهل الخلل في التشريع أم في التطبيق؟.


وتنص المادة 6 من قانون التعليم العالي والبحث العلمي رقم 17 لسنة 2018 وتعديلاته على: "يتولى المجلس (مجلس التعليم العالي) المهام والصلاحيات التالية:
المصادقة على الموازنات السنوية والحسابات المالية الختامية لمؤسسات التعليم العالي ومناقشة تقاريرها السنوية واصدار القرارات اللازمة بشأنها، الاطلاع على تقرير ديوان المحاسبة السنوي الذي يخص الجامعات الرسمية واتخاذ الاجراءات المناسبة بشأنه".


وحسب المادة 10 من قانون الجامعات الأردنية رقم 18 لسنة 2018 وتعديلاته، فإنه "يتولى مجلس الامناء المهام والصلاحيات التالية: تقييم اداء الجامعة وقياداتها من الجوانب جميعها بما فيها الاكاديمية والادارية والمالية والبنية التحتية ومناقشة تقارير التقييم الذاتي المقدمة منها دوريا، مناقشة الموازنة السنوية للجامعة وبياناتها المالية وحساباتها الختامية واقرارها بعد الموافقة عليها من مجلس الجامعة، الاطلاع على تقارير وحدة الرقابة الداخلية وديوان المحاسبة واستفساراته وعلى الاجابات والاجراءات المتخذة بخصوصها في الجامعة الرسمية ورفعها للمجلس، تعيين محاسب قانوني خارجي لتدقيق الحسابات المالية الختامية للجامعة وتحديد أتعابه بتنسيب من مجلس الجامعة".


وعودة إلى الصلاحيات التي يمنحها القانون لمجالس الأُمناء، ومجلس التعليم العالي، يبرز سؤال عن مدى الدقة والمُتابعة لمُمارسة هذه الصلاحيات، وهل يتحققان من صحة الموازنات والحسابات الختامية وتقارير الرقابة؟، وهل أدوات الرقابة فاعلة؟، وما هو المطلوب بعد أن تبين ولأكثر من مرة ضعف فاعليتها، لا سيما مع الأزمات المالية والإدارية وازدياد المديونية وارتفاع العجز في موازنات الجامعات.


وكان تقرير حالة البلاد 2021، الصادر عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي، اعتبر أن سياسات واستراتيجيات قطاع التعليم العالي ساهمت في تخبط محاور هذا القطاع الرئيسة وتراجعها، الأمر الذي شكل عبئًا كبيرًا على الجامعات، أدى بالتالي إلى خلل في الحوكمة، وزيادة العجز والديون، موصيًا بتعظيم دور مجالس الأُمناء، عبر بناء علاقة تكاملية مع مجلس التعليم العالي.


واعتبر التقرير أن من أبرز التحديات التي تواجه مُعظم الجامعات الحكومية، تتمثل بـ"عجز الموازنة، ارتفاع تراكم المديونية"، مُشيرًا إلى أن العجز السنوي للجامعات الحكومية ما يزال في تزايد.


يُذكر أن موازنات الجامعات الرسمية وصلت إلى 619 مليون دينار العام الماضي، فيما وصل مجموع الدين المُتراكم عليها لأكثر من 100 مليون دينار.

اقرأ المزيد :