تسليح الدولار وآثاره المستقبلية

بقلم: فواز يوسف غانم* يعد الدولار الأمريكي في الوقت الحالي “الاحتياطي المهيمن” في العالم(International Reserve Currency) من ناحية عملة المعاملات التجارية العالمية الرئيسية، والتي تنطوي على استخدام الدولارالامريكي في المعاملات المالية بين أي طرفين أجانب والتي يتوجب اعتمادهما من قبل النظام المالي الأمريكي. ووفق تقرير ينشر بانتظام من صندوق النقد الدولي(IMF) حول تكوين العملات المجمعة من احتياطيات النقد الأجنبي (Currency Composition of Foreign Exchange Reserves -- COFER) يتبين بان الدولار الامريكي يشكل حاليا حوالي ال 60 في المائة من احتياطيات البلدان والمؤسسات الفردية، يليه اليوروالذي يشكل حوالي ال 20 في المائة. من ناحية أخرى، و بالرغم من ان اليوان أو الرنمينبي الصيني ما زال يشكل نسبة صغيرة جدا من احتياطيات البلدان والمؤسسات الفردية (حوالي 2 في المائة فقط) ، بدات الصين في حملة استراتيجية لتدويل الرنمينبي ليحل محل الدولارتدريجيا كعملة عالمية، أو على الأقل لتمكينه من أن يكون على قدم المساواة مع الدولارالأمريكي في السنوات القادمة. ويتفق خبراء الاقتصاد العالمي بان الرنمينبي الصيني (RMB) هي العملة الرئيسية التي لديها أكبرالإمكانات لتولي دورينافس دورالدولارفي المستقبل بسبب الحجم الاقتصادي الهائل للصين، وآفاق نموها المستقبلية، واندماجها في الاقتصاد العالمي، والتي تشكل مجتمعة دورًا مستقبليا محتما للعملة الصينية. وهذا بالطبع له آثار بعيدة المدى على الهيمنة الاقتصادية أوالمالية للولايات المتحدة، حيث قد بدات الصين في عام 2015 بتدويل عملتها عندما منح صندوق النقد الدولي "الرنمينبي" وضع "العملة الاحتياطية" بين العملات الأخرى من خلال إضافته إلى سلة حقوق السحب الخاصة التي تشمل أيضًا الدولارالأمريكي والجنيه البريطاني والين الياباني. وقد مهد هذا الطريق للصين لتدويل عملتها على اساس ان الصين كانت بحاجة الى الحصول أولاً على وضع "العملة الاحتياطية" قبل الحصول على وضع "العملة العالمية". وعلاوة على ما ذكر اعلاه، أدخلت الصين أيضًا تسهيلات مقايضة(SWAPS) للدول على طول مبادرة الحزام والطريق(The Belt & Road Initiative) ، وجمعت احتياطيات كبيرة من الذهب، وأطلقت عقود مستقبلية (Futures) لخام النفط بأسعاراليوان، و الذي يشيرإلى إرادة الصين في جعل اليوان عملة مهيمنة عندما يتعلق الأمر بتداول النفط العالمي. ومع ذلك، فإن اكتساب الرنمينبي لمركزالعملة المهيمنة ليس بالسهولة التي قد تبدو عليها للبعض، حيث لا يزال أمام بكين عقبات رئيسية يتعين التغلب عليها قبل أن يظهرالرنمينبي حقًا كعملة احتياطي عالمية رئيسية، بما فيها الحاجة الى تحقيق المزيد من التقدم في الانتقال إلى اقتصاد يحركه السوق(Market-Driven Economy) ، وتحسين حوكمة الشركات (Corporate Governance) ، وتطويرأسواق مالية فعالة ومنظمة جيدًا(Well-Regulated Financial Markets) تحظى باحترام المستثمرين الدوليين، حتى تتمكن بكين من إلغاء ضوابط رأس المال وتحويل الرنمينبي إلى عملة يحددها السوق. في المقابل، دفعت السياسات الأمريكية في السنوات الاخيرة، ولا سيما فرض عقوبات على إيران و سوريا وروسيا وتركيا، في تحول كبير يدفع الدول إما إلى استبدال الدولارالأمريكي كعملة احتياطية، أو اختيار مقايضة العملة أو استخدام بديل عملات للمعاملات المتعلقة بالتجارة العالمية وهذا كله بالطبع يصب في مصلحة الصين، و التي اصبحت ثاني لكبر اقتصاد في العالم بدون منازع. ليس هذا فحسب، بل لجأت بعض الدول أيضًا إلى استخدام أكبر لعملة "التشفير" والذي كان رد فعل عالمي عنيف ضد محاولة ترامب تسليح الدولار (Weaponization of the US Dollar) وتعزيز الإمبريالية الأمريكية في مناطق عدة في العالم وخصوصا في منطقة الشرق الاوسط. ان امتياز الدولار الأمريكي كعملة الاحتياطي العالمية جاءت بسبب تفوق الدولارمن خلال مزيج من الأحداث التاريخية، والظروف الجيوسياسية بعد الحرب العالمية الثانية، وسياسات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، والحجم الكبير وديناميكية الاقتصاد الأمريكي و الذي كان يشكل 40 في المائة من القتصاد العالمي في منتصف القرن الماضي (يشكل القتصاد الامريكي حاليا ما نسبته 25 في المائة). ولكن إذا استمرت الولايات المتحدة في تسليح الدولار بفرض عقوبات اقتصادية على دول و احزاب و بنوك و اشخاص و شركات، فسوف تزيد من تدويل الرنمينبي و سيعجل في وضعه كعملة دولية بالفعل، وحينها ستتمكن الصين من بناء هيكل مالي عالمي بديل والذي سيكون ناتجه ضعف التأثيرالعالمي لأمريكا. اذا ارادت الولايات المتحدة فعلا ان تبقي الدولار الأمريكي كالاحتياطي المهيمن في العالم، يجب على ادارتها اقتصاد ان تلهم المصداقية والثقة العالميتين من الناحتين الاقتصادية والسياسية، حيث ان وضع الدولار العالمي هو المراة الأساسية للنظام السياسي والاقتصادي الأمريكي. ولحماية موقف الدولار الحالي، يجب أن يظل الاقتصاد الأمريكي نموذجًا للنجاح. ولكن والاهم مما ذكر، على صانعي القرار في الولايات المتحدة ان يعلموا ان خياراتهم السياسية في الخارج مهمة أيضًا لأنها تؤثرعلى مصداقية الولايات المتحدة وسيكون لها تبعات على اقتصادها. و للحفاظ على هذه القيادة، يجب على الولايات المتحدة أن تدعم مبادرة لتعديل وتحديث القواعد والمعايير العالمية التي تحكم التجارة والاستثمار والمنافسة في التكنولوجيا لتعكس حقائق القرن الحادي والعشرين. كما يجب على واشنطن أن تدرك أن العقوبات الأحادية التي أصبحت ممكنة بفضل سيادة الدولار ليست خالية من التكلفة، حيث من الاغلب أن يؤدي تسليح الدولارإلى تنشيط حلفاء وأعداء لتطويرعملات احتياطية بديلة وربما حتى توحيد القوى للقيام بذلك (وهذا هو بالضبط السبب الذي دفع الاتحاد الأوروبي لدفع مزيد من تعزيز اليورو في المعاملات الدولية). و على واشنطن ان تدرك ان التاريخ لم يعرف أي دولة عظمى بقيت في القمة دون حكمة مالية و سياسية على المدى الطويل. *الرئيس التنفيذي – اثمار انفستاضافة اعلان