تسويات لابد منها

في الطريق إلى العفو العام، تعمل السلطات على تسوية ملف الموقوفين. اثنان منهم"سعد العلاوين وأحمد النعيمات" تم الإفراج عنهما أمس، ومن المتوقع خطوات مماثلة في الأيام المقبلة. بالتزامن مع هذه التطورات حدثت إنفراجة كبرى في ملف مكافحة الفساد تمثلت بجلب المتهم الرئيسي في قضية التبغ عوني مطيع من تركيا. الرأي العام قابل هذه الخطوات بالارتياح وإن كان يطمح بالمزيد، ورئيس الوزراء يدرك هذا الأمر جيدا، ولهذا حرص على القول إن القبض على مطيع ليست النهاية، إنما خطوة في مسار متواصل. يفصلنا عن آخر عفو عام سبع سنوات تقريبا، ومنذ ذلك التاريخ أيضا لم تسجل قضية فساد كبرى بحجم قضية التبغ تطال اسما وازنا. في السنوات السبع الأخيرة تعاملت الحكومات مع تحديات اقتصادية وسياسية صعبة، ماتزال تبعاتها ماثلة حتى يومنا هذا. لكن كما هو الحال في مثل هذه الظروف تظهر أعراض جانبية قوية للسياسات التقشفية والإجراءات الاقتصادية، خاصة عندما تترافق مع بيئة سياسية شديدة التعقيد، وإدارة مرتبكة، وتآكل ملحوظ في النخبة السياسية وأساليب عملها. هي دورة زمنية كانت أحداث الدوار الرابع قبل أشهر بمثابة إعلان لنهايتها، بعد أن بلغت الضغوط حدا يهدد بالانفجار الاجتماعي، فكان لابد من التغيير الذي بدأ بالحكومة، مصحوبا بإعلان صريح عن التوجه لتغيير النهج. لكن وبالنظر لمعدل الاحتقان المرتفع والرغبة الجامحة بالخروج من محنة السنوات السبع، استعجل الناس تحقيق الأهداف وساد الاعتقاد بأن رحيل حكومة ومجيء أخرى تحمل رؤية مختلفة كفيل بجعل التغيير ممكنا في عدة أشهر. لم يكن هذا ممكنا بالطبع، ومع بروز مشكلات بنيوية في تشكيلة الحكومة الجديدة وأسلوب عملها، انخفض سقف التوقعات بشكل دراماتيكي، حتى غدا رحيل الحكومة مطلبا. بيد أن أحدا من المطالبين برحيلها لم يقل لنا كيف تستطيع حكومة ثانية جديدة أن تفعل ما عجزت عنه حكومة الرزاز في أشهر قليلة؟ في الأيام القليلة الماضية فقط برزت علامات على استقرار نسبي في التوقعات والشعارات، وارتفعت أسهم الحكومة في السوق الشعبي مدفوعة بقضية مطيع والاعلان الملكي عن عفو عام. الخطوتان كانتا بمثابة جرعات دعم ملكية للحكومة في لحظة حرجة ومفصلية.لكن البلاد في العموم كانت بحاجة ماسة لها أيضا، كتسوية لتفريغ مخلفات السنوات السبع وامتصاص الآثار المتراكمة. في الدول والمجتمعات التي تفتقد القدرة والإمكانيات لبناء سياسات عامة مستدامة، وتكافح في مناطق الصراع والتوتر، ولاتستطيع المغامرة بإصلاحات ثورية، ليس أمامها إلا اللجوء لعمليات نوعية استثنائية لتنفيس الاحتقان وتخفيض مستوى التوتر الاجتماعي كلما ارتفع عن الحد المعقول والمأمون. الحلول الاستراتيجية مثل الإصلاحات السياسية و تغيير النهج الاقتصادي ومعالجة الملفات المعقدة كالدين العام وعجز الموازنة ومشاكل الفقر والبطالة،لاينبغي إهمالها، لكنها حلول لايمكن تلمس نتائجها إلا على المدى الطويل.ولحين أن يتحقق ذلك لا بد من التفكير بتسويات ممكنة في ملفات تترك أثرا مباشرا على الناس، وتظهر نتائجها على مقياس التوتر الاجتماعي.اضافة اعلان