تصميم عسكري محدود الضمان

عاموس هارئيل -هارتس

بعد سنة في المنصب، في موعد ما هناك في الثمانينيات، قال أحد مسؤولي الادارة المدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية لضباطه "فهمت ما نفعله هنا: نحن نغلق مكاتب كي يكون لنا في المستقبل ما نفتحه، ونفتح مكاتب كي يكون لنا هنا ما نغلقه".اضافة اعلان
هذا هو بإيجاز ما تفعله إسرائيل الآن في بداية الأسبوع الثاني من حملة "عودوا أيها الاخوة" في المناطق. وحتى أمس ليلا لم يتحقق الهدف الأساس من العملية – العثور على الفتيان الثلاثة الذين اختطفوا في غوش عصيون والمس بخلية الاختطاف من حماس. في الجيش والمخابرات ما يزالون يبحثون عن اختراق في الطريق، قطعة معلومات ذات صلة أو ايقاف بالصدفة لأحد المارة في الحواجز يأتي في أعقابه حل لغز القضية. كانت لحظات هذا الأسبوع بدا فيها تحقيق الهدف قريبا، ولكن الأمل تبدد. اذا كان الخاطفون مسوا بالفتيان وهؤلاء لم يعودوا على قيد الحياة مثلما حصل في الكثير من حالات الاختطاف السابقة في الضفة، فمن شأن استكمال لوحة اللغز الاستخبارية أن تكون أصعب.
كلما كان الانجاز المطلوب الأساس يتأخر تتعاظم الحاجة، لدى القيادة السياسية ولكن بقدر ما العسكرية أيضا، لعرض انجاز بديل. وهكذا ولدت المعركة ضد حماس ومعها اجتياحات مكاتب الجمعيات الخيرية، اتحاد الطلاب ومحطات الاذاعة. لا شك أن معظم الاهداف التي اجتاحها الجيش الإسرائيلي في الأيام الاخيرة ترتبط بحماس والأغلبية الساحقة من الـ 300 معتقل فلسطيني في الأسبوع الاول من الحملة هم اعضاء الحركة. ولكن يمكن الاثبات بأن قلة قليلة فقط منهم ضالعة في الارهاب بشكل فاعل. وإغراق الضفة بقوات الجيش جاء لزيادة احساس الأمن لدى المستوطنين وبث الفعل العملياتي. أما صلته بايجاد الخاطفين فهزيلة. هذه الجهود تجري أساسا في المحور الذي بين المخابرات، شعبة الاستخبارات في الجيش والوحدات الخاصة وتتركز بقدر ما هو معروف في منطقة الخليل. في هذه الأثناء، في ظل غياب المخطوفين، ينشغلون بالإحصاءات: كذا وكذا مشبوهين اعتقلوا، كذا وكذا مكاتب أغلقت وحواسيب صودرت.
الادعاء بأن الأمر سيؤدي بالضرورة إلى اضعاف حماس ليس مقنعا. والمصلحة الأكثر وضوحا في مكافحة النشاطات المدنية – السياسية لحماس هي للسلطة الفلسطينية. وقد فعلت ذلك جيدا في الفترة ما بين 2008 و2013 ولهذا فإن إسرائيل لم تتدخل في ذلك تقريبا وركزت على اعتقال أعضاء الذراع العسكري لحماس (ليس جميعا على ما يبدو استنادا إلى الاختطاف الأخير). وابطأت السلطة الوتيرة في الأشهر الاخيرة، على خلفية اتفاق المصالحة. يحتمل أن تستأنف الجهود بسبب غضبها على حماس التي ورطتها في قضية الاختطاف. ولكن اعلان الحرب الإسرائيلية على حماس يجب أن يكون مسنودا بتخطيط بعيد المدى وبصبر، وهما خصلتان لا تبديهما إسرائيل بشكل عام. وينبغي أن نعتبر بيانات القيادة عن التصميم والمثابرة بأنها محدودة الضمان. فالظروف تتغير والتعقيدات التي لم يتم توقعها مسبقا يمكنها أن تؤثر على استمرار الحملة. قطاع غزة مثلا ما يزال هادئا نسبيا، ولكن نشر بطاريات القبة الحديدية في الجبهة الداخلية يشهد على أن الجيش الإسرائيلي غير مقتنع بأن الأجواء هناك ستبقى مشابهة. والاحباط الإسرائيلي من انعدام النجاح في الضفة كفيل هو الآخر بأن يؤدي إلى إثقال اليد على حماس في غزة.
في العام 2001، السنة الاولى للانتفاضة الثانية، انطلق الجيش الإسرائيلي إلى حملة رد في شمال القطاع بعد اطلاق النيران الأول من غزة نحو سديروت. قائد العملية، العميد يائير نفيه، سُئل في حينه كم من الوقت ستستغرق، الحملة، فقال وفقا للرسائل التي تلقاها من قادته، "قدر ما يلزم: أيام، أسابيع وحتى أشهر"، وبعد بضع ساعات، تدخلت الإدارة الأميركية وحكومة شارون اضطرت إلى التراجع. في غضون أقل من يوم كانت كل القوات خارج القطاع. لاحقا، ولا سيما بعد عمليات 11 أيلول في الولايات المتحدة، جاءت عمليات طويلة وكثيفة أكثر بكثير قام بها الجيش الإسرائيلي في القطاع، ولكن هذه باتت قصة أخرى.
إلى جانب محاولة العثور على المخطوفين، فأن "عودوا أيها الاخوة" هي أيضا حملة تحركها رغبة الثأر على جريمة وحشية ضحاياها فتيان صغار. ولكن ينقص إسرائيل اهداف للهجوم. فلم يتبق في الضفة الكثير من المطلوبين من الذراع العسكري لحماس ممن هم معروفون للمخابرات الإسرائيلية؛ وإلا فقد كانت إسرائيل أو أجهزة أمن السلطة قد اعتقلتهم منذ زمن بعيد. والآن تضغط القيادة السياسية في إسرائيل على جهاز الأمن كي يرفع لها اهدافا جديدة وهو يعثر على مزيد فالمزيد من مكاتب "الدعوة"، البنية التحتية الخيرية المدنية لحماس.
تبدو الفرضية الأساس للخطوة مهزوزة. فالذاكرة الجماهيرية قصيرة. إسرائيل بادرت إلى حملات واسعة ضد "الدعوة" في الضفة حتى بعد اختطاف جلعاد شليط في 2006 وسيطرة حماس على القطاع بعد نحو سنة. بعض من صناديق الوثائق التي صودرت في حينه لم تُفتح بعد. وتوجد صعوبة كبيرة في ترجمة المعلومات التي ستُجمع في هذا المجال إلى أدلة قانونية أو مكسب اعلامي. مطلوب لذلك محققو مخابرات، شرطة، رجال نيابة عامة وناطقات باللسان، ولكن الأجهزة لا تنسق بينها حقا والأولان على الأقل منشغلان الآن وعن حق، في مطاردة الخاطفين.
معقول أنه في غضون بضعة أيام سيبدأ محامو رجال حماس في رفع الالتماسات إلى محكمة العدل العليا والمطالبة بتحريرهم واعادة الحواسيب المصادرة. "الجهاز الفلسطيني متقن جدا. وحماس تعرف كيف تخلف قليلا من الآثار في الاعمال المالية"، يقول ضابط انشغل في ذلك سنوات عديدة. "الضربة الواسعة للاهداف المدنية لن تُقبل على مدى الزمن بهدوء من الجمهور الفلسطيني. وهذه العملية ستعزز فقط وصمة العمالة التي تلصقها حماس بالسلطة".
وقالت مصادر أمنية لـ "هآرتس" أمس إنه بتقدير الاستخبارات الإسرائيلية أحدث الاختطاف شرخا بين السلطة وحماس سيؤدي عمليا إلى توقف مسيرة المصالحة الفلسطينية. وما يزال يبدو أن على إسرائيل أن تكبح جماح توقعاتها. فهل لن تتوقف الحملة إلى أن يتراجع عباس علنا عن اتفاق المصالحة؟. شخص أدى في الماضي مناصب رفيعة المستوى جدا في أسرة الاستخبارات قال في هذا الأسبوع إن توسيع الانشغال الاستخباري إلى المعركة المدنية ضد حماس يمس بالجهود للعثور على المخطوفين. "فايجاد الفتيان هو الهدف رقم واحد وعليه يجب تركيز كل الجهود. كل ما تبقى هو صرف للانتباه، يفوت الأمر الأساس"، إدعى قائلا. بتعبير آخر – فان هذا ادعاء له اسناد أيضا داخل الجيش – هدفا الحملة يتعارض الواحد مع الآخر.
لقد تم توسيع أهداف الحملة دون أي رقابة جماهيرية. وبمرور أسبوع لم يكلف رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو نفسه عناء عقد لجنة الخارجية والأمن في الكنيست. هذه عودة إلى الأيام البشعة للرقابة البرلمانية المعدومة في حرب لبنان الثانية. وقال النائب ايتان كابل من العمل أمس إنه "نشأ الانطباع بأن نتنياهو يفعل كل ما في وسعه كي يتملص من واجب تبليغ اللجنة. في أزمة بهذا الحجم كنت أتوقع أن يتحدث معنا".
كان هذا الأسبوع، في الكنيست من فحص ووجد أن في حرب يوم الغفران، خلافا لما هو الآن، جاءت رئيسة الوزراء غولدا مائير إلى اللجنة منذ اليوم الثاني من القتال – وفي حينه كان الحديث يدور عن معركة حياة وموت، وليس في التردد في مسائل سياسية، استراتيجية أساسا، مثل استمرار العملية واهدافها أو خطة الخروج الإسرائيلية.