تضاؤل الدخل والصعوبات المعيشية.. كيف يؤثران على العلاقات الاجتماعية؟

تغريد السعايدة – تأثرت الكثير من المناسبات الاجتماعية والعائلية، بحيث يغيب عنها البعض لأسباب عدة، أهمها غياب القدرة على مجاراة الواجبات العائلية ومتطلباتها والتزاماتها المالية، فيكون العائق المادي سبباً في تقليص العلاقات الاجتماعية بين الأقارب وحتى الأصدقاء. هذا الأمر بات واضحاً منذ فترات طويلة، لمس أثرها الكثيرون، بدت أول ملامحها منذ “جائحة كورونا”، وما تبعها من تباعد اجتماعي، ومن ثم تبعات اقتصادية جمة، فرضت على الناس التوجه نحو “التقشف”، الذي يتطلب منهم “توفير الوقت والجهد والمال من مختلف النواحي” في مواجهة التحديات الاقتصادية التي عصفت بالعالم أجمع. أم ثامر، لديها خمسة أبناء، وزوجها يعمل في القطاع الخاص، راتبه، حسب ما تقول، لا يكفي حتى الثلث الثاني من الشهر، بالرغم من اتباعهم حياة معيشية “مقتضبة تقتصر على الأساسيات”. وحول ارتفاع الأسعار المتتالي، تقول إنها “منذ زواج ابن شقيقتها قبل أقل من عامين لم تشارك في باقي المناسبات”، خوفاً من فرض التزامات مالية عليها تزيد من العبء على “مصروف البيت”. العديد من الأسر تعيش حالات اجتماعية اقتصادية مشابهة، تختصر فيها علاقات دامت سنوات، بسبب وقع الوضع الاقتصادي الصعب على الكثير من الأسر، في ظل ارتفاع متزايد يوماً بعد آخر للأسعار، لذلك، ينبه الاستشاري الأسري الاجتماعي مفيد سرحان، أن الدخل المادي يؤثر في حياة الإنسان وبناء عليه تتحدد الكثير من الأمور. ومع تزايد الصعوبات الاقتصادية، يقول سرحان، إن كثيرا من العلاقات أصبحت معرضة للضعف أو الفشل أو الانقطاع وتزايد المشكلات، والأخطر هو بروز خلافات أسرية أثرت على العلاقات الاجتماعية وعلى الاستقرار الأسري، وهذا يتطلب من الجميع الحذر والانتباه والوعي لخطورة ذلك وآثاره السلبية على الجميع. وهناك الكثير من الأشخاص، وبسبب الظروف الاقتصادية الضاغطة، وعدم القدرة على التحكم في زيادة الدخل الشهري، تتأثر علاقاتهم الاجتماعية، رغم أن المطلوب هو العمل على تغيير في العادات التي تجعل المادة هي أساس التعامل، فقيمة العلاقات ليست بمقدار ما ننفق عليها، فذلك يعرضها للخلل باستمرار، ومن المهم إعادة النظر في المصروفات الزائدة أو المبالغ فيها، التي يكون الهدف منها إرضاء الآخرين والتفاخر والمباهاة، وهذه مهمة الفرد والأسرة والمجتمع. ويشار الى أن الأرقام المحلية الرسمية تشير الى أن معدل الفقر في المملكة لدى الأردنيين يبلغ 15.7 % للعام 2017-2018، فيما تشير توقعات البنك الدولي الى زيادة على المدى القصير في معدل الفقر الوطني بمقدار 11 نقطة مئوية بالنسبة للأردنيين، ليصل الى حوالي 27 %. وفي دراسة نشرت في آب (أغسطس) من العام الماضي صادرة عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، أشارت الى أن معدل دخل بعض الأسر في الأردن انخفض، وتضاعف عدد العائلات التي يقل دخلها الشهري عن 100 دينار أردني (140 دولارا) منذ انتشار جائحة كورونا. خبير الاقتصاد الاجتماعي حسام عايش، يرى أن الوضع الاقتصادي فاعل في التأثير على الحياة الاجتماعية، سواء بشكل إيجابي أو سلبي، وهذا يعتمد على طبيعة اتجاه الوضع الاقتصادي. ويضيف “نحن الآن في ظل أوضاع اقتصادية صعبة بالنسبة للأفراد والأسر وحتى المؤسسات التجارية، وهذه الصعوبة تتجلى بأن دخل الناس تراجع خلال أزمة كورونا وما بعدها، إذ إن نسبة منهم لم يستعد الدخل كما كان سابقا، أو بنسبة أقل، وحتى تلك الاستعادة كانت في مواجهة مع التضخم”. ويبين عايش أن هذا التضخم وأسعار الكلف الإضافية وتغيير سلم الأولويات في الإنفاق، كلها أمور جعلت هذه الاستعادة تبدو وكأنه لا قيمة لها أو محصلته تكاد تقارب الصفر، وبالتأكيد هذا كله أثر على الأوضاع الاجتماعية للمواطن، وأن الناس باتوا يحسبون حساباً للمصاريف الإضافية وللكلف غير المنظورة وللتكاليف التي تطيح بفكرة تنظيم الإنفاق بالشكل الذي يتناسب ومعدلات الدخل. وعلى هذا الأساس، وبالنظر إلى أن الأسعار ترتفع، وبغض النظر كما يصدر عن دائرة الإحصاءات العامة، أو عن بيانات التضخم، فإن الشعور بارتفاع الأسعار يفوق البيانات الإحصائية، كما يقول عايش، وبالتالي يتكيف المواطنون مع هذا الأمر من خلال تقليل نسبة “مصاريفهم اليومية”، واستخدام الإنفاق على حاجات أساسية. لذلك، في مثل مجتمعاتنا بدأت الأحوال تتغير بناءً على تلك التغيرات الاقتصادية والاجتماعية للناس. وهذا التأثر، رغم أنه متبادل بين الناس، إلا أن ردود الفعل تتفاوت داخل العائلات وبين الأصدقاء، وهذا التفاوت مرده، كما يوضح عايش، إلى أن بعض القدرات الاقتصادية تفرض إيقاعاً جديداً بين الناس، ما يقلل من قدرتهم على الإنفاق، وواحدة من بين أدوات التغيير التي يلجأون إليها هي تقليل الإنفاق على المناسبات الاجتماعية سواء كانت على مستوى الأعياد، الأفراح، والمظاهر الاجتماعية الأخرى، أو تقليل تبادل الزيارات بشكل عام، وتكون على أضيق الحدود، من دون تحمل تكاليف إضافية، ومنهم من يتوقف تماماً عن تلك الواجبات. وهذا يثير ردود فعل سلبية على مستوى العائلة والأصدقاء، وعلى مستوى العلاقات الاجتماعية بشكل عام، من دون أن يدرك كل طرف سواء كان منتقداً أو المقابل له، أن هذه الحالة يشكو منها الجميع، والبقاء بالظروف الاقتصادية والاجتماعية نفسها، لا بد أن يتعرض للتغيير، وهذا التغيير ملامحه بتغيير الإنفاق، باعتبار ذلك من أدوات التوفير. بيد أن الإشكالية في هذا الجانب، كما يبين عايش، أن الناس رغم أنهم يعرفون هذه الحقائق، إلا أنهم لا يتعاملون معها بشكل إيجابي، وما يزالون مصرين على استعارة كل ما هو قديم من خلال توجيه الاتهامات والانتقادات للآخر، وأحياناً مقاطعة بعضهم بعضا، وهذا ربما يخلق نوعا من الشعور بالتوتر ومشاعر من عدم الطمأنينة لوقوف الناس بجانب بعضهم بعضا، ويقلل من إمكانيات التواصل بالمعنى الإنساني الذي تفرضه العلاقات الاجتماعية. إلى ذلك، يعتقد عايش أنه آن الأوان للناس أن يتفهموا أوضاع بعضهم بعضا، ومن المفترض التعامل مع المستجدات وإيجاد حالة من الوئام الذي يتسامح فيه الناس في علاقاتهم، وتقبل الأعذار، لكي تستمر الحياة من دون توتر واضطراب. ويشدد عايش على أن كل ذلك يجب ألا يؤثر على العلاقات الأسرية والصداقة، ولكن يعيد ترتيب شكلها ليكون منسجما مع المستجدات ومع الأوضاع الاجتماعية، الاقتصادية، والإنسانية الجديدة، وأن يشعر الناس أنهم في راحة في علاقاتهم، وإشاعة الطمأنينة فيما بينهم. ويؤكد سرحان أنه من الجيد أن يكون هناك التزام بوضع ميزانية منطقية للأسرة يتناسب فيها الدخل مع الإنفاق، خصوصا العائلات الكبيرة التي لديها دخل متوسط مقارنة بعدد الأفراد، في كثير من الحالات يكون ضعف الإمكانيات المادية سبباً في الخلافات الأسرية، خصوصاً عندما ينظر الزوجان أو أحدهما إلى المال بأنه العنصر الأهم في حياته وأن قيمته أمام الآخرين بما ينفق من مال. كما أنه من المهم أن يتعود الزوجان على وضع ميزانية شهرية للإنفاق تراعي الأولويات وتبدأ من الاحتياجات الضرورية ثم الأقل أهمية ثم الكماليات، بحيث تتناسب هذه الميزانية مع دخل الأسرة وتكون باتفاق الزوجين، والأفضل أن تراعي هذه الميزانية الادخار قدر المستطاع للظروف الطارئة كالمرض ومصروفات الصيانة وغيرها من المصروفات غير الثابتة. ووفق سرحان، هناك استنزاف للإنفاق في سبيل استمرار العلاقات الاجتماعية مع الآخرين، التي تكون على حساب الاحتياجات الأساسية وفيها ظلم للنفس وكثير من المجاملات الاجتماعية، لذلك من المهم إدامة التواصل والصلة مع الآخرين، وخصوصاً الأرحام، وألا تكون التبعات المالية للعلاقات الاجتماعية سبباً في انقطاع التواصل أو تحميل الأسرة أكثر من قدراتها. هذا الأمر “يتطلب وعيا من الجميع والتوافق على إلغاء العادات السلبية”، كما يقول سرحان، مع صفاء القلوب والنفوس والبعد عن الخلافات والأحقاد، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة؛ حيث “نحن بحاجة الى قدر أكبر من التكاتف والتعاون والتراحم والتواصل، وأن تقوم علاقاتنا على البساطة وعدم التكلف وظلم النفس لنشعر بدرجة من السعادة والرضا”. اقرأ أيضاً:  الأردن يطوي عاما اقتصاديا صعبا وسط آمال بانفراجة قريبة صعوبة الأوضاع الاقتصادية تحتم على أزواج الاكتفاء بابن وحيداضافة اعلان