تعاظم مخاطر "احتضار" المياه الجوفية

إيمان الفارس

تتعاظم مخاطر “احتضار” كميات المياه الجوفية من الأحواض المائية المتجددة لاستخدامات الشرب، من الآبار الحكومية والخاصة، وتهديدها بالنضوب بحلول العام 2040، وسط توقعات بانخفاضها من 251 مليون متر مكعب في العام 2018 إلى 73 مليونا حتى العام 2040، بتراجع نسبته 71 %، وفق دراسة رسمية حول تقييم توافر موارد المياه وقابليتها للاستغلال.

وتنفرد “الغد” بنشر أحدث الدراسات الرسمية الموثقة حول مصادر المياه القابلة للاستغلال، والتي أعدتها وزارة المياه والري – سلطة المياه وسلطة وادي الأردن في العام 2020، بالتعاون مع إدارة مشروع الوكالة الألمانية للتعاون الفني (GIZ)، بعنوان “التقييم السريع لنتائج التراجع.. توافر الموارد وقابليتها للاستغلال.. البنية التحتية لإمدادات المياه”. وحذرت الدراسة من خطورة استمرارية الانخفاض في إنتاج المياه الجوفية، والناجم “أساسا عن الإفراط في الاستخراج”، مشيرة إلى أن استخراج المياه الجوفية يصل إلى حوالي ثلاثة أضعاف كمية التغذية الطبيعية لها. وفيما جددت الدراسة تحذيرات إزاء مخاطر الانخفاض في المياه الجوفية المتجددة “كما ونوعا”، أكد خبراء في قطاع المياه، في تصريحات لـ”الغد”، ضرورة التصدي لهذه المخاطر، عبر “إعداد ونشر خطة تطوير مصادر مياه تحتوي إجراءات قصيرة، متوسطة وطويلة الأمد”، داعين إلى “تعديل قانون سلطة المياه بهدف الحد من الاعتداءات الواقعة على مصادر المياه وحفر الآبار الجوفية دون ترخيص، وتعديل نظام مراقبة المياه الجوفية بهدف المحافظة على مصادر المياه الجوفية وذلك بفرض قيود تنظيمية على أصحاب الحفارات وإيقاع العقوبات عليهم”. وأجمع المختصون على أن تحلية مياه البحر من خلال تسريع وتيرة العمل بتنفيذ مشروع الناقل الوطني لتحلية مياه البحر الأحمر في العقبة، هو أمر لا بديل عنه في ظل شح الموارد المائية الأخرى واستنزافها، معتبرين أنها مصدر مستدام لإراحة بعض الطبقات المائية الجوفية المستنزفة وإعادة تأهيلها. كما توقعت الدراسة انخفاض هطول الأمطار في الأردن بنسبة 13.6 % أو 12.9 ملم / العام بحلول العام 2035، وزيادة درجة الحرارة بمقدار 1.6 درجة مئوية، مشيرة إلى أن ذلك يعني انخفاضا في إعادة تغذية المياه الجوفية على المدى الطويل بحوالي 15 %، من 280 مليون متر مكعب سنويا إلى 240 مليون متر مكعب سنويا تقريبا بحلول العام 2040. كما قدرت الدراسة انخفاض الجريان السطحي للمياه السطحية على المدى الطويل بنحو 15 %، أي من حوالي 400 مليون متر مكعب سنويا إلى حوالي 340 مليون متر مكعب سنويا خلال الفترة نفسها، ونتيجة لذلك، سيتناقص توافر الموارد المائية التقليدية الداخلية على المدى الطويل بشكل أكبر من المستويات الحالية. وفي سياق مؤشرات هذه المخاوف، أوصى الأمين العام الأسبق لسلطة المياه إياد الدحيات بضرورة إعداد ونشر خطة تطوير مصادر مياه تحتوي اجراءات قصيرة، متوسطة وطويلة الأمد تتضمن بنودا عدة. وقال الدحيات إن هذه البنود تشمل “تنفيذ مشروع الناقل الوطني للتحلية لتوفير كميات المياه بمقدار 300 مليون متر مكعب سنويا، والمباشرة بإعداد دراسة لتنفيذ مرحلة ثانية من المشروع، وزيادة كميات التزويد المائي مستقبلا بعد العام 2030، وهذا يتطلب ان يكون قطر الخط الناقل للمياه المحلاة بطول 450 كلم، والذي سيتم تنفيذه بداية ليكون قادرا على نقل أي كميات مياه مستقبلا”. ومن ضمن بنود الخطة المقترحة؛ أكد الدحيات ضرورة تطوير ومعالجة والاستفادة من آبار المياه المالحة في مناطق وادي الأردن (حسبان، ديرعلا، الزارة، ابو الزيغان) والأغوار الجنوبية لاغراض الشرب بشكل متزايد وربطها على أنظمة نقل المياه العاملة في المحافظات على المدى القصير. ودعا الأمين العام الأسبق لسلطة المياه إلى تعظيم الاستفادة من المياه المعالجة الناتجة عن استهلاك كميات المياه الاضافية الناتجة من مشروع الناقل الوطني في الزراعة في وادي الأردن لزيادة الرقعة المزروعة، وكذلك استخدامها للاغراض الصناعية لتخفيف الضغط على المياه الجوفية المستنزفة. كما أوصى بأهمية إعداد دراسة حديثة محكمة وقاعدة بيانات متكاملة للبت في إمكانية الاستفادة من مياه الآبار العميقة المنتشرة في المملكة التي تزيد أعماقها على 1000 متر في الطبقات الجيولوجية المختلفة، وإمكانية توفر تكنولوجيا لمعالجة النوعية والحرارة العالية المتغيرة لهذه المياه. ووفق الدحيات، فإنه ينبغي تخفيض فاقد المياه بما نسبته 2 % سنويا حسب الاستراتيجية التي تم اعدادها حديثا في وزارة المياه والري، واستخدام اساليب حديثة في اكتشاف الاعتداءات وإنفاذ قانون سلطة المياه عليها، بالإضافة إلى تنفيذ مشاريع الحصاد المائي بكافة انواعها في المناطق ذات الهطول المطري العالي في المملكة على مستوى المنزل ومناطق التفريغ، فضلا عن دراسة وتنفيذ مشاريع التعاون والربط الإقليمي ذات الجدوى. واتفق الأمين العام الأسبق لوزارة المياه والري علي صبح مع توقعات التقرير بتدهور جودة المياه الجوفية بسبب الضخ الجائر لتلك الأحواض، مبينا أنه “نتيجة الحاجة لمصادر المياه وازدياد عدد السكان بشكل طبيعي وغير طبيعي من الهجرات، والتنمية الاقتصادية والزراعية وغيرها، أصبح لدينا اكثر من 3000 بئر مياه جوفية عاملة تنتج ما مجموعه حوالي 650 مليون متر مكعب من المياه، ما يعني ضخ أكثر من 200 مليون متر مكعب بشكل يتجاوز حد الاستخراج الآمن”. وأضاف صبح أنه “نتيجة لذلك، انعكس واقع الاستنزاف هذا على طبقات المياه الجوفية ما أدى الى تملحها، خاصة في حوض الأزرق وعمان الزرقاء، وهبوط كبير في سطح المياه الجوفية ليصل إلى أكثر من 10 أمتار سنويا في منطقة وادي العرب بالقرب من إربد، وبمعدل 1-5 أمتار سنويا في عموم أحواض المملكة، حيث إن طبقات المياه الجوفية جفت في بعض المناطق مثل منطقة الحلابات، وارتفعت الملوحة بشكل كبير فيها”. وأوضح أيضا وجود انكماش طبقات المياه الجوفية المشبعة، حيث تضاعفت المناطق غير المشبعة بالمياه الجوفية في شمال الأردن بمقدار ثلاث مرات على مدار 25 عاما، بالإضافة إلى مناطق كبيرة على امتداد جغرافيا التكشفات الصخرية للخزان الجوفي B2/A7، والتي أصبحت غير مشبعة. وتشمل هذه المناطق الجزء الواقع في اقصى الجنوب من طبقة المياه الجوفية، وجنوب الطفيلة وجنوب الكرك، ومناطق ما بين مادبا وعمان وغرب وشمال غرب عمان، وما بين الزرقاء والمفرق، وما بين المفرق وإربد، وفق صبح. وأوضح أن “المزيد من الضخ في ظل الظروف الحالية من شأنه أن يؤدي إلى التوسع السريع في مساحة المناطق غير المشبعة، وتغير في اتجاه حركة المياه الجوفية”. وتابع أنه “حسب معظم الدراسات، يجب ألا يتجاوز مجموع ما يمكن استخراجه من الأحواض المتجددة 275 مليون متر مكعب سنويا، بينما يمكن استخراج حوالي 143 مليون متر مكعب من المياه الجوفية غير المتجددة”. وحذر من خطورة استمرارية هذا الواقع، مطالبا بحماية هذه المصادر ومعالجة التغيرات السلبية التي طرأت عليها، خاصة بعد ان وصلت مرحلة الخطورة المطلقة. وأضاف أن ذلك يتطلب اجراءات فورية وسريعة ووفق احكام القانون لحماية هذه المصادر وايقاف تزايد هذا الخطر، الذي يتطلب ايضا من الجميع، مزارعين ومواطنين ونوابا وفعاليات شعبية وقانونية ومدنية واعلامية، التعاون من أجل حماية اهم مصدر لمياه الشرب. وأشار إلى أن ذلك لا يتم الا بتخفيض كميات الاستخراج وزيادة التغذية السنوية والتعامل مع الاحواض المائية وفقا لواقع تغذيتها الآمنة، وكذلك تقيد المزارعين بكميات المياه المرخص استخراجها ومساحة الأرض المحددة بالرخصة. ودعا إلى ضرورة المضي في تطبيق استراتيجيات عدة، من أهمها تحلية مياه البحر، مؤكدا أنها أمر لا بديل عنه في ظل شح الموارد المائية الأخرى واستنزافها، باعتبارها مصدرا مستداما لإراحة بعض الطبقات المائية الجوفية المستنزفة وإعادة تأهيلها. وترتبط الاستراتيجيات التي اقترحها صبح، بتعديل قانون سلطة المياه بهدف الحد من الاعتداءات الواقعة على مصادر المياه وحفر الآبار الجوفية دون ترخيص، والتي تشكل اعتداء على الأمن المائي للمملكة. وأكد أهمية تعديل نظام مراقبة المياه الجوفية بهدف المحافظة على مصادر المياه الجوفية، وذلك بفرض قيود تنظيمية على أصحاب الحفارات وايقاع العقوبات عليهم لتصل الى مصادرة الحفارة، وتحديد رخصة الحفار والحفارة بسنة واحدة وتجدد سنويا، وإعطاء مهلة لاستخراج المياه من الآبار غير المرخصة إذا توافرت أسباب اجتماعية أو اقتصادية تبرر ذلك. وذلك إلى جانب اعتماد سياسة مفتوحة للاتصال بكافة الجهات الفاعلة مثل مجلس النواب ومجلس الأعيان ووسائل الإعلام، المكتوب والمسموع والمرئي، بغية حشد الدعم الحكومي والشعبي للمحافظة على مصادر المياه الجوفية للوقوف في وجه المعتدين على مصادر المياه. واقترح صبح استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد والصور الفضائية في تقدير كميات الاستخراج من المياه الجوفية، وتحديد البؤر والمناطق التي تم فيها حفر مخالف واعتداء على مصادر المياه الجوفية، وتفعيل دور وحدات الامن والحماية لوقف الاعتداءات على هذه المصادر قبل حدوثها او استفحالها، وضبط عملية الاستخراج وتنظيمه حسب الرخص الممنوحة، فضلا عن تقديم الدراسات اللازمة عن واقع المياه الجوفية عاما بعد عام. ونوه بأهمية إيجاد مصادر مائية جديدة من خلال استخراج المياه الجوفية العميقة والمياه الجوفية المالحة، والتوسع في شبكات الصرف الصحي واعادة تأهيل محطات الصرف الصحي لانتاج كميات كبيره من المياه المعالجة وبنوعية جيدة يمكن استخدامها في الزراعة بدلا من المياه الجوفية. من جانبه، أكد أستاذ علوم المياه الجوفية إلياس سلامة أن الحل الأمثل والأوحد لمواجهة تحديات نضوب المياه الجوفية في المملكة، هو “الاستعجال بتحلية مياه البحر في العقبة”، محذرا من صعوبة وأزمة الضخ الجائر من الآبار. وقال سلامة إن الضخ الجائر من الأحواض الجوفية يتسبب بتردي نوعية المياه، إلى جانب تأثيره الكبير على جفاف عدة ينابيع كانت تتغذى من تلك الأحواض.

اقرأ المزيد : 

اضافة اعلان