تعبير عن الحرية!

 معاريف  : جاكي خوجي


مر حتى الان اسبوع كامل، الا ان العالم العربي يرفض الهدوء إزاء هجوم الاحذية لمراسل التلفزيون العراقي منتظر الزيدي على الرئيس الأميركي جورج بوش في زيارته الوداعية الى العراق.

اضافة اعلان

 الاحتفال، الذي لا يتذكر مثيله حتى شيوخ بغداد، بدأ عفويا بعد عدة ساعات فقط من المؤتمر الصحافي الذي لا  ينسى. وبينما يوجد الصحافي قيد الاعتقال بانتظار محاكمته، خرج آلاف المتظاهرين، في مسيرات تأييد حرقوا فيها العلم الأميركي ودعوا الى تحريره. مواطن مصري اتصل الى منزل العائلة في بغداد وكشف لشقيق قاذف الحذاء بانه معني بان يزوجه ابنته، طالبة في العشرين من عمرها. وقال: "آمل أن اعيش في العراق، ولا سيما اذا كانت لي صلة بهذا البطل.

 راسمو كاريكاتير وكتاب مقالات شحذوا اقلامهم. في سورية فتحت حوانيت أحذية على اسمه، والاهالي اعطوا اطفالهم اسماء "منتظر" و "زيدي". وفي السعودية عرض ثري شراء حذاء الشاب مقابل 10 ملايين دولار قائلا: "حذاؤه اغلى من كل املاكي سأورثه لأبنائي".

 في الوقت الذي خرجت الامة العربية عن طورها، في الجناح الأميركي ايضا لم يبقوا غير مبالين. بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس كادا يظهران تفهما لرامي الحذاء حين قالا انهما يريان في الحادثة "تعبيرا عن الحرية".

 بوش نفسه احسن فعلا حين دعا المحكمة للتصرف بمنطق في قضية الزيدي، وبعد لحظة بدا وكأنه سيزوره في معتقله، يحمل له وجبة كبيرة اشتراها له على نحو خاص. الرئيس الأميركي لم يتجرأ بالمناسبة على ان يسدي النصائح للمحاكم في السعودية، في المغرب وفي مصر، وجميعهم من اصدقاء أميركا، ممن يلاحقون محبي الديمقراطية من العنيدين بقدر لا يقل عن الزيدي.

 المنطق الذي روج له بوش في هذه الحالة هو بالضبط ما كان ينقصه في ذات اليوم في آذار 2003 عندما وقع على الامر بارسال جيوش بلاده الى العراق. بوش انطلق الى هذه المعركة انطلاقا من الاحساس بالثأر على عمليات 11 أيلول، ولكن بدلا من البحث عن العدو الحقيقي والقتال ضده، ضرب من وجده تحت الضوء. نتيجة الخطوة واضحة اليوم لكل العالم، وبالتأكيد ايضا لبوش نفسه: ان زعيما قويا كصدام حسين، نجح بالسيطرة بيد قوية على القدر العراقي المتلظي، اسقط بضربة من هاوٍ دون تفكير لتحل محلها فوضى عضال. صدام قد يكون جديرا بالعقاب ولكن آخرين كانوا أكثر جدارة منه ولكن بوش تركهم ينمون ويتعاظمون.

 في العراق هناك من يعتقد بان رامي الحذاء هو مؤيد خفي للزعيم الشيعي مقتدى الصدر، الموالي لحرس الثورة الإيراني، وان الخطة المهينة وضعت عمليا في طهران. كل هذا لا يتعارض مع حقيقة أن مهرجان الاحذية الذي نشأ عن هذا السلوك هو مسرح العبث.

 في نهاية المطاف لم يكن عمل الزيدي تصفية حساب بل صفقة مجدية للطرفين. الصحافي الشاب خرج بطلا حين اهان علنا مثير الحرب في العراق وانتقم منه على الموت والدمار الذي ألحقه ببلاده.

 ولكن بوش ايضا لم يخرج مهزوما. فقد حظي بدور النجم في مهزلة انهت بالابتسام فصلا اراد ان ينساه وازاح الانتباه عن الوضع اليائس للدولة. بوش نفسه كان سعيدا لان يساهم من جانبه في الاجواء المتحررة، حين هدأ الصحافيين في القاعة بعد أن اعتقل الزيدي واخرج. فقال من يريد أن يعرف، فان الحذاء بحجم 44.

 ضحك – ضحك، ولكن هذا الحادثة امام عدسات التلفزيون هي خلاصة المأساة الأميركية في العراق. خمس سنوات ونصف بعد ان حرثت جنازير دبابات سلاح البحرية لاول مرة شوارع بغداد، نجحت الولايات المتحدة بالفعل في أن تصمم هناك نوعا من الديمقراطية، تتبنى الرأس الأميركي: فقط في دولة تتجرأ على احتلال بلاد اخرى بدعوى انها تعمل باسم قيم الديمقراطية، القاء حذاء على وجه شخص يمكن أن يعتبر تعبيرا عن الحرية.