تعديل الدستور.. لم لا؟

يتداول نواب ومشرعون باقتراح يقضي بجعل رئاسة مجلس النواب لسنتين، بدلا من سنة أو دورة نيابية واحدة. الأخذ بهذا الاقتراح يتطلب إجراء تعديل دستوري. ويبدو أن فتح الدستور مرة ثالثة في السنوات الخمس الأخيرة، هو ما يدفع البعض إلى التردد في قبول الفكرة.اضافة اعلان
نجهل السبب الذي دفع باللجنة الملكية لتعديل الدستور إلى تجاهل هذا المطلب، عندما أنجزت قبل سنوات حزمة كبيرة من التعديلات على مواد الدستور. لكن أيا كانت المبررات، فإن التجربة العملية تؤكد الحاجة الماسة لهذا التعديل.
مع بداية كل دورة برلمانية، يبدد مجلس النواب الشهر الأول من عمر دورته في مشاورات و"كولسات" انتخاب رئيسه ومكتبه الدائم، ولجانه. وقبل أن ينهي الدورة بشهر تقريبا، يدخل النواب في جدل الرئاسة من جديد، فيضيع شهر آخر من عمر الدورة البرلمانية في الحملة الانتخابية.
ليس هذا فحسب؛ فمنذ اليوم التالي للانتخابات، يصبح رئيس المجلس ونوابه أسرى الحسابات الانتخابية؛ سواء كان ذلك في علاقاتهم مع الكتل النيابية أو الحكومة. وإذا كان لدى رئيس المجلس برنامج جدّي لتطوير آليات العمل البرلماني، وإصلاح مؤسسات المجلس، فسيصطدم بعامل الوقت، لأنه وقبل أن يرتب أوراقه سيكون أمام استحقاق الانتخابات من جديد.
لقد خضع رؤساء سابقون للمجلس للابتزاز من زملائهم بسبب انتخابات الرئاسة السنوية. وعانت كتل نيابية من حالات الانقسام والتشظي بفعل الجولات الانتخابية المتسارعة.
بمعنى آخر، انتخاب الرئيس والمكتب الدائم كل سنة، لا يساعد على استقرار الحياة النيابية، وهو أحد أهم أهداف الإصلاح البرلماني التي من أجلها تم تعديل الدستور، ومن بعده النظام الداخلي للمجلس.
وعلى مستوى اللجان أيضا، ثمة مشكلة؛ فما إن يصبح رئيس لجنة على دراية وخبرة في مجال عمله، حتى يغادرها بعد أشهر، ويسلم لنائب آخر يبدأ من نقطة الصفر.
الآلية القائمة في عمل لجان المجلس وهيئاته، لا تسمح بمراكمة الخبرات، وخلق شخصيات برلمانية من أصحاب الاختصاص في النظر بمشاريع القوانين، ومراقبة سياسات الحكومة.
وإذا كان التغيير السريع للحكومات والوزراء واحدا من مثالب الحياة السياسية الأردنية، التي دفعت بصاحب القرار إلى الضغط من أجل تغيير هذه القاعدة، وتبنّي مقاربة جديدة عنوانها "حكومة بعمر مجلس النواب"، فإن من الضروري أيضا منح رئاسة "النواب" ولجانه نفس الفرصة. فما الفرق بين رئيس سلطة تنفيذية ورئيس سلطة تشريعية، أو رئيس لجنة تشرع لأحد القطاعات والوزير المعني بذلك القطاع؟ لماذا يبقى هذا في موقعه أربع سنوات، ولا يصمد ذاك أكثر من سنة؟
عندما يكون الهدف من تعديل الدستور هو إنجاز إصلاحات تُحدث فرقا إيجابيا في أداء المؤسسات، فما المشكلة في فتحه مرة ثالثة ورابعة؟
لقد أخذت عملية الإصلاح في الأردن بمبدأ التدرج؛ فبعد التعديلات الواسعة التي أجريت على النظام الداخلي لمجلس النواب، تبين بالتجربة أن هناك ثغرات تحتاج إلى تصويب. وقد تم التوافق على معالجتها في الدورة الأخيرة، وحصل ذلك فعلا.
الآن، وبالممارسة العملية، اتضحت الحاجة إلى تصويب وضع الرئاسة والمكتب الدائم، ولجان المجلس، فهل نتردد بداعي الخوف من فتح الدستور مرة ثالثة؟