تعقيدات هيكلية ضريبية

سلامة الدرعاوي لا أحد يمكنه القول إن الإصلاح الضريبي الذي حصل بموجب القانون الأخير الذي بدأ تنفيذه مطلع العام 2019 قد لبى كُل متطلبات الإصلاح المنشود، فالتشوه ما يزال كبيرا في الوعاء الضريبي بكامله. من يصدق أن أكثر من 50 بالمائة من إيرادات ضريبة المبيعات التي تتجاوز قيمتها الإجمالية 3.82 مليار دينار تأتي من سلعتين رئيستين فقط هما: السجائر والمحروقات والتي تتجاوز عوائدهما الضريبية اكثر من 2.2 مليار دينار وحدهما فقط. ومن يصدق أن 70 % من إيرادات ضريبة الدخل والمقدرة في العام 2021 بما قيمته 1.11 مليار دينار تأتي فقط من 38 شركة كبرى، والباقي يتوزع على آلاف الشركات والأفراد والمستخدمين. هذا تشوه كبير في هيكل الوعاء الضريبي ليس باستطاعة الحكومة إيجاد حلول بين ليلة وضحاها، فالأمر في غاية من التعقيد، لكن في المحصلة وبموجب القانون الجديد للضريبة باتت غالبية الشركات تقريبا تحت المظلة الضريبية. فالأردن على الرغم من الشكوى الكبيرة بارتفاع الضريبتين على المواطنين والشركات في آن واحد إلا أن هناك أيضاً اكثر من 340 سلعة أساسية وغذائية إما معفاة أو ضريبتها صفر، أو أنها اقل من 4 %. وجود هذه القائمة بهذا الشكل يحد من أي تفكير رسمي بتوحيد ضريبة المبيعات على كافة السلع تحت بند أن مستوى ضريبي واحد كالقول مثلا بأن تحدد الضريبة على جميع السلع والخدمات عند مستوى (10 % و12 %)، هذا يعني ببساطة أن السلع الأساسية والغذائية الرئيسة المعفاة سترتفع الى النسبة الموحدة، مما سيشكل ضربة موجعة لذوي الدخول المحدودة والمتوسطة معاً، وسيشهد ارتفاعا كبيرا في الأسعار وتآكلا في الدخول. بالمقابل فإن الخدمات والسلع الكمالية تحديدا ستشهد انخفاضا كبيرا على أسعارها بموجب التخفيض الى المستوى الضريبي الجديد الذي سيكون حتما اقل مما هو عليه الآن والبالغ 16 %، وهذا يعني مكافأة الأغنياء والطبقة الاجتماعية ميسورة الحال، وهو تماما عكس أهداف أي سياسة ضريبية هدفها تحقيق مزيد من العدالة الاجتماعية. في الأردن المعالجات الضريبية ليست بالسهلة التي قد يقرؤها البعض أو يطالب فيها، خاصة أولئك الذين يقارنون الوعاء الضريبي في المملكة مع دول الخليج على سبيل المثال، فهناك ضرائب جديدة فرضت بعد أن كانت الضريبة صفرا ومعفاة على غالبية السلع والخدمات، والضرائب الجديدة هناك فرضت على شيء لم يكن موجودا أساسا، بينما في الأردن الأمر مختلف تماما، فهناك دعم مالي تاريخي لعدد كبير من السلع والخدمات معمول به في ظل نظام ضريبي قائم تعتمد عليه الهزيمة بشكل كبير، وبالتالي أي تعديلات على أي من جداول التعرفة الضريبية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار حماية الشرائح الاجتماعية التي تعتمد في مشترياتها على سلع معفية أو ضريبتها صفر، كتعويض عن الدعم السابق المقدم من الخزينة لتلك السلع، وبالتالي ليس من السهل أخذ تعديل جداول تعرفة المواد الغذائية والأساسية. حتى شرائح الأفراد والمستخدمين وان كان القانون الجديد شمل الجميع إلا أن كل من هو راتبه اقل من 800 دينار شهريا غير خاضع للضريبة، لكن التطور المهم الذي حدث هو شمول قطاعات فردية كانت في السابق مدار جدل واسع بحجم حصتها الحقيقي في الوعاء الضريبي كالمحامين والأطباء الذين باتوا اليوم اكثر شمولا من ذي قبل في دفع الضريبة نتيجة الإجراءات التي اتخذت بموجب القانون الأخير، إضافة الى نظام الفوترة وتعليماته المختلفة التي بدأ العمل بها، وأخذت نتائجها بالظهور الإيجابي التدريجي. قد تكون بعض القطاعات بحاجة الى إعادة النظر في النسب الضريبية المفروضة عليها سواء أكانت في الدخل أو المبيعات، مثل قطاعات السياحة والنقل وقطاعات أخرى بحاجة إلى إعادة النظر في معدلات الضريبة بشكل يساهم في حمايتها ودعم استمراريتها وتحفيزها. الإصلاح الرئيس ليس سهلا في ظل حقوق ومكتسبات حصل عليها أفراد وقطاعات، وبالتالي فان أي تعديل يجب أن يكون بالتدريج النسبي فقط لا غير، وان يكون بعد مأسسة الإصلاحات الضريبية الحالية خاصة في مجال التهرب الضريبي ومكافحته وزيادة قاعدة المكلفين مع تطوير إداري في هيكل دائرة ضريبة الدخل والمبيعات.اضافة اعلان