تغريدة الرفاعي وما تلاها من رشقات

ماهر أبو طير العين سمير الرفاعي رئيس الوزراء الاسبق، يستحق الحسد، فهو يحارب ولا يتعب، برغم كل الهجمات التي يتعرض لها، وقد شهدنا كيف ان لجنة تحديث المنظومة السياسية، تعرضت الى حروب صغيرة وكبيرة، بعضها كان مفهوما، وبعضها كان يوحي بكونه مداراً بنعومة وعن بعد. في كل الاحوال عبرت اللجنة هذه المخاضات وخرجت بتوصياتها، وكل هذه التوصيات كانت تركز على عدة امور اهمها تمكين الشباب من التعبير عن انفسهم، ضمن القانون، وتعزيز الديمقراطية، والعمل الحزبي، وغير ذلك، وهذه توصيات بحاجة الى وجود ارادة لتحويلها الى واقع تتم حمايته، كما تحتاج الى بيئة تنعش الحريات. في الحديق الخلفية في عمان هناك صراعات، ومن باب الاستنتاج، وليس وجود معلومات، فقد كانت اللجنة ورئيسها وسط صراع لقوى تحسست لكونها لم تقد هذه المهمة، وربما البعض اراد تخريب كل العملية، وآخرون تورطوا في معارك شخصية، او كانوا طرفا في صراع ترسيم مراكز النفوذ في الاردن. وهناك من قال علينا ان نتسبب بفشل شعبي وسياسي للرفاعي حتى لا تكون اللجنة منصة له للعودة الى موقع اهم، وبين الكل هناك من لم يعجبه ان تقوم اللجنة بهذه المهمة، وافترض انها للحكومة في الاساس، او حتى لمجلس النواب، او حتى لرئيس بلدية الواق واق. وسط هذه الاجواء، وتأكيدات الرفاعي على جدية اللجنة، وان التوجه بات حقيقيا نحو الاصلاحات السياسية، تم تلغيم الارض في توقيت احالة التعديلات الى البرلمان، وكان اول الالغام ما جرى من اعتقال لعشرات الاردنييين، عبروا عن موقفهم ضد التطبيع، بطريقة سلمية وحضارية ومؤدبة. اعتقالهم ابرق برسالة تعاكس كل رسالة اللجنة والدولة، وتتحدى ايضا، كل التوجه العام، وكأننا امام جزر مستقلة، كل طرف فيها يقرر تكسير الاخر، او معاكسة كل البوصلة التي يتم تثبيتها. الرفاعي خرج غاضبا ليكتب تغريدة محملة بالرسائل، وقال فيها ” قد يحتاج القرار شجاعة، لكن الأهم الدفاع عنه واحترام من يخالفه ضمن القانون وحرية التعبير. تضخيم الاحتقان غير جائز، واستيعاب الشعور بالإحباط ضرورة، هناك حديث كثير لكن في الفم ماء، وهناك من عليه أداء هذا الواجب حتى لا نقدم لأي كان ذخيرة للتشكيك بصدق النوايا، وإن اختلفنا حول تفاصيلها”. واضح هنا انه يستعمل لغة مشفرة، لكن يمكن فكها، فهو يقول ضمنيا ان الحكومة التي تتخذ قرارا حول ملف المياه، عليها ان تدافع عن ملفها، لا ان تتسبب بارتدادات على لجنة تحديث المنظومة السياسية، وضده شخصياً ربما، وضد كل التوجه العام، اذ لا يعقل اصلا، انه في عز توقيت الحديث عن تعزيز الديمقراطية، والتعبير عن النفس، والعمل الحزبي، يتم اعتقال شباب ضد التطبيع. وكأنه يقال للاردنيين ان هذا هو الاصل، وان كل ما تسمعونه من الرفاعي ولجنته عليكم ألا تصدقوه، في مشهد محرج جدا، يتجاوز في ارتداده شخص الرفاعي، بل يكذب كل المؤسسة الرسمية بكل مستوياتها، فهذا يقول لك عبر عن نفسك ضمن القانون، وذاك يعتقلك وفقا للقانون ذاته ووفقا لفهمه هو، فمن نصدق وسط هذا التشويش؟ ولأن البعض على ما يبدو لم يفهم التغريدة كما هي، اضطر ان يعود الرفاعي مجددا ليقول علنا إنه يرفض التوقيفات الأمنية ضد أي نشاط للتعبير عن الرأي طالما أن هذا النشاط منضبط بالقانون والدستور، وهو ضد التوقيف في قضايا الرأي العام، وضد قصة الكفالات الكبيرة. ما بين تغريدة الرفاعي، ثم ماتلاها من رشقات يبدو المشهد في الظلال واضحا، اي محاولات العرقلة ضد اللجنة، منذ تأسيسها والحملات التي تم شنها ضدها، واحيانا المبالغات غير المفهومة، في سياقات تشويه السمعة، ثم عودة الهجمات بطريقة ثانية، تكاد ان تقول لك اننا لسنا امام دولة واحدة، فهذا يريد الحريات وتعزيز العمل الحزبي، وبنفس الوقت، هذا يسجن ويعتقل، بما يثبت ان هناك لعباً في الخفاء، او انقساما بين اجنحة الدولة، او حتى سوء ادارة وبشكل مكشوف. ما اهلك البلاد والعباد هو كثرة الانقسام، وعدم التوافق على أي شيء، والطعن في الظلام، والتخريب على بعض، وهي سمات باتت سائدة في العمل السياسي والاقتصادي. إن يصدق حدسي فإن كل القصة ستؤدي الى تداعيات مختلفة عما قريب.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان