تغليف حياة الأبناء بالحماية المبالغ بها.. هل يحمل نتائج عكسية؟

حياة الأبناء
حياة الأبناء
ديمة محبوبة – من الطبيعي أن تكون مشاعر الأهل تجاه الأبناء مغلفة بالكثير من الحماية والحرص على أدق الأمور، لتوفير من يحتاجونه من أمان نفسي ومعنوي. غير أن الحماية المفرطة من الأهل تجاه الاطفال وكأنهم تحت المجهر طوال الوقت خوفا على من أن يطولهم أي أذى مهما كان بسيطا، قد يكون له تأثير سلبي. خبراء علم النفس والتربية يؤكدون أن الإفراط بالحماية في الصغر يرتبط بحدوث القلق والاكتئاب في الكبر، وذلك جراء معتقد الآباء أن ذلك يجنبهم الألم والحزن والفشل. سماح علي وهي أم لثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم من أربعة أعوام إلى 12 عاما، "أنا كأي أم تتمنى أن يعيش أطفالها بسلام وبعيدا عن الحزن أو الألم، لذلك أعمل على حمايتهم ومساعدتهم بشكل كامل في أي أمر حتى في دراستهم أو من خلال فرض بعض الأمور عليهم لجعل أخطائهم أقل مع أنفسهم". وتبين أن ما تقوم به هو حمايتهم من أي ضرر يمكن أن يقع عليهم، معتقدة بأن الحياة صعبة ومواجهتها طويلة، لذا تقدم لهم كل السبل بما يحقق الراحة من دون تحميلهم المسؤوليات. التربوية رائدة الكيلاني تؤكد أن المراقبة الحثيثة والحماية المفرطة التي يتتبعها الكثير من العائلات والأمهات على الأطفال بصدد تأخير معارك الحياة أمامهم، ما هي إلا طريقة لخلق جيل لا يعتمد على نفسه غير قادر على حماية ذاته وغير مستوعب أن الفشل في الحياة ما هو إلا معركة يمكن أن يتعرض لها بشكل دوري. وتكمل، ومن واجبه أن يستطيع الوقوف على رجليه دائما بعد الانهزام وأن يقف بوجه هذ المعارك من خلال التعرف على صعوبات الحياة، فالفشل مطلوب والتربية توجب أن يعرف الطفل الفشل وأن يعرف النهوض منه ولا ضير هنا من توجيه، وليس حماية الأهل له. وتفسر الكيلاني الحماية المفرطة بأنها الحماية المبالغ فيها وذلك من خلال عدم إعطاء الطفل مساحته للتصرف أو التحدث بما هو لصالحه أو تعبيره عن قضاياه أو ما يريده وكذلك التدخل في كل تفاصيل حياته وقراراته. وأحيانا يقع الأهل بهذه الحماية المفرطة حسب الكيلاني، إما من أجل الحماية أو اعتقادا بأن ذلك من ضمن دلال الطفل. وما يخطئ به الأهالي أيضا ويندرج تحت باب الحماية المفرطة من خلال القيام بمسؤوليات تقع على عاتق الطفل، كترتيب سريره مثلا، أو إطعامه باليد حتى وهو قادر ويستطيع، أو من خلال غسل يديه أو إدخاله الحمام وهو قادر على القيام بذلك بنفسه. وفق الكيلاني تتابع، وأحيانا الأمهات لا يعترفون أن هذه الأمور تحدث من باب الحماية للطفل، وإنما من باب أنهن أسرع وعليهن أن يقمن بهذه الواجبات لإنهائها، لكن في الحقيقية هم يخلقون شخصا مشوها اتكاليا لا يستطيع القيام بشيء من دونهم. وتؤكد أن تعليم الطفل المسؤولية هو درس مهم وضروري، حتى الأطفال الصغار يمكنهم المشاركة في بعض المهام، فصحيح تعليمهم يحتاج الوقت ككيفية تنظيف غرفتهم، وتحديد الأعمال المنزلية المناسبة للعمر، لجعل الجميع يشارك بدوره. أما في اختيار الأطفال أصدقاءهم عليهم أن يحددوها بأنفسهم ويعرفون كيفية التعامل بها، فالأم غير موجودة طوال الوقت في حياة طفلها وعليه أن يعتمد على ذاته ليكون قادرا على التعامل معها اليوم في صغره وكذلك في الكبر ويميز الصح من الخطأ. وتلفت الكيلاني إلى أن هناك وقتا على الأهل أن يتدخلوا به، في حال وجود صداقة ضارة في حياة أطفالهم أو حتى أبنائهم الكبار، فالتوجيه مهم ومعالجة الخطأ مهم، لكن الطريقة مختلفة ومهمة. في حين يؤكد اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، أن الأهل وتحديدا الأم القائمة بدور الحماية لجميع أفراد أسرتها وتحديدا أطفالها تقوم بالأخطاء وإن كانت من باب الحب، فمثلا الافراط في مواساة صغيرها وذلك من باب إن قام بسلوك خاطئ أو حدث معه شيء أذاه نفسيا، فتبالغ في إرضائه وإبعاده عن الألم. ويكمل، والأنسب في هذا الحال هو شعور الطفل بأن عائلته معه، وأنهم يشعرون به، ولكن عليهم الجلوس والتحدث بما حدث معه بأن الأمر الطبيعي تعرض الشخص للحزن، ومخاطبته بأنه شخص قوي، فتعزز الطاقة الايجابية لديه، وبالتالي عليه أن يجد طريقة ليخفف عن ذاته المشاعر السلبية والخروج من هذا الحزن، بهذه الحالة يجب أن تعرف الأم أنها هنا تساعد ابنها أو ابنتها أكثر في تعليمه كيفية مواجهة الحياة بالحقيقية. ويؤكد أن الطفل الذي يتعرض لحماية مفرطة يكون احترامه لذاته متدنيا إذ ينضج وهو يعاني من تدني احترام وتقدير الذات، وقد يفتقر إلى المرونة والثقة الضروريتين لمواجهة العالم، وذلك بسبب الرسالة التي يتم توجيهها للطفل دائما، بأنه غير مؤهل أو جيد بما يكفي لإدارة حياته بنفسه. ويتابع، بالتالي تعرضه للاكتئاب والقلق في الكبر، لأن وجود من يعتمد عليهم قل في حياته عند الكبر، وهو ضائع لا يستطيع التعامل ومواجهة الحياة. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان