"تغول مدارس خاصة"

لم يعد تسجيل الأبناء بمدارس خاصة ترفا، ولا نوعا من التفاخر أمام الآخرين كما كان عليه الحال في سنوات ماضية، فالأوضاع الاقتصادية للأسر لم تعد مريحة كما كانت عليه في السابق. الأمر أصبح حاجة أساسية لتأمين مستوى دراسي جيد لأبنائهم، رغم ما يعانونه من صعوبات مالية في هذا السبيل.اضافة اعلان
لكن تلك المدارس لا تشعر بذلك أبدا، ولا بمعاناة الآباء المنهكين من أجل “تحويش كل قرش” في سبيل تعليم أبنائهم، فهدفها الربحي جعلها لا تتوانى عن “التغول” على جيوب الأهالي واستغلال الحاجة لتلقي تعليم خاص جيد للأبناء، لذلك فغالبا ما تزيد الأقساط السنوية باستمرار مع كل موسم دراسي جديد، لتتعاظم هموم الأهالي الذين لا خيار لديهم إلا الانصياع لما تقرره إدارات تلك المدارس بدون أي وجه حق.
من حق المدارس الخاصة أن تفكر في الجانب المالي والربح، لكن ما نتكلم عنه هنا هو الربح الفاحش، الذي يكسر كاهل الأهل الذين يعملون ليل نهار ويقتطعون من قوت يومهم ومستلزماتهم الأساسية لتأمين دراسة أبنائهم، بحثا عن مستقبل أفضل يضعهم على بداية الطريق بعد سنوات المدرسة.
لنعترف أن التعليم الحكومي يعاني اليوم من مشاكل عديدة، تصب في خانة تضعيفه، خصوصا مسائل اكتظاظ الغرف الصفية وعدم أخذ الطالب حقه من المعلومة، والاتجاه نحو التلقين دون الأخذ بعين الاعتبار في أحيان كثيرة حاجة الطالب إلى مهارات جديدة وأساليب تدريسية حديثة تتماشى مع متطلبات العصر، ولا حتى إيصال المعلومة له بطريقة تربطه بواقعه، أو بطريقة شيقة جاذبة ومحببة للطالب. فضلا عن البنية التحتية غير الآمنة لبعض المدارس.
وللإنصاف، تحاول كوادر إدارية وتعليمية في مدارس حكومية، وبمجهودات شخصية ومبادرات فردية، رفع كفاءة الطالب وتنمية مهاراته بطرق إبداعية، بعيدا عن التلقين، كما تعمل مؤسسات مجتمع مدني إلى جانب وزارة التربية والتعليم على إدخال بعض البرامج الجديدة، وتدريب الطلبة عليها، مثل التفكير الناقد وأساسيات الكهرباء والهندسة، والروبتة، وهي علوم العصر الحديث. لكن المحبط هو أن هذه البرامج ما تزال محصورة في عدد محدود من الطلبة ولم يتم تعميمها حتى اليوم.
رغم ذلك، ورغم معرفتنا باختلالات المدارس الحكومية وضعف مخرجاتها، إلا أن كثيرا من العائلات بدأت تبحث عن مكان لأبنائها في هذه المدارس، فالأب والأم اللذان يعملان على مدار الساعة لم يعد بإمكانهما توفير متطلبات لا تنتهي للمدارس الخاصة، بدءاً بالأقساط، مرورا بأسعار الكتب والزي المدرسي، والنشاطات الداخلية التي تلزم بدفع مصاريف إضافية، وليس انتهاء بكماليات تتفنن الإدارات بإثقال كاهل الأهالي بها.
وحدها الأقساط بالكاد يتم تأمينها وسط الضغوط الاقتصادية التي يواجهها الأهالي والمصاريف المادية المتتالية؛ ليأتي “همّ” الكتب، والتي تحتاج لميزانية خاصة من أولياء الأمور، تصل لمئات الدنانير، وبأضعاف ثمنها الأصلي، كل ذلك كان بمنأى عن رقابة الوزارة والجهات المعنية وكأنّ كل مدرسة خاصة لها “سلطة” بمفردها ولا تخضع لمحاسبة أحد.
أما الزي المدرسي فحكاية أخرى، “استغلال” واضح لحاجة الأهالي، بأسعار مضاعفة عن السعر الأصلي، ما جعلهم يبحثون عن محال مخصصة لخياطة الزي بأقل الأثمان، خصوصا لعائلات لديها 3 أطفال وأكثر.
لجوء بعض الآباء إلى نقل أبنائهم لمدارس حكومية كان الحل الوحيد مع مبالغات كثير من المدارس الخاصة بأسعارها، ورغم ذلك لا تحاول تلك المدارس تعويض هذا الانسحاب، بل تتعنت بأسعارها، وترفعها باستمرار، مصرة على فرض المزيد من التكاليف عليهم.
إلى متى هذا “التغول” من المدارس الخاصة؟ ألن تكون هناك محاسبة حقيقية من وزارة التربية والتعليم، ومعاقبة كل مدرسة تحاول استغلال جيوب الأهالي، ورفع الأسعار بحسب الأهواء دون معايير حقيقية تحكم ذلك؟
ألم يحن الوقت لكي تعمد الوزارة إلى تصنيف المدارس وتحديد أسقف سعرية لكل صف في كل فئة، وفرض رقابة صارمة على ذلك؟