تغوّل الفاسدين و"دولة المؤسسات"

فتحت ما يعرف بقضية التسهيلات المصرفية العام 2002، الباب لتساؤلات عديدة في حينها حول الفساد، تسيّدها سؤال إلى أي مدى تمتد يد الفاسدين في بلادنا؟ وهل تعد هذه القضية استثنائية بكافة المقاييس؟ خاصة أنها جاءت بعد فترة طويلة من الإعلان عن قضية فساد كبرى أعيت الاقتصاد الأردني، وهي قضية بنك البتراء مطلع التسعينيات.اضافة اعلان
هذه القضية حكم فيها على المتهمين، وانتهت حبكتها الدرامية الشائكة إلى ما انتهت عليه، لكن ما ظهر لاحقاً أن مثل هذه القضية كان يتكرر باستمرار، وأن فصولاً عديدة للفساد المالي والإداري تمارس في بلادنا ونحن قابعون تحت شعار عريض هو "دولة المؤسسات".
إذا كان لدينا حقاً نية صادقة بإنشاء مؤسسات تحمل على أكتافها الدولة لأمدها النهائي، فلماذا نشأ كل هذا الفساد وترعرع في ظل مؤسساتنا الوطنية؟ وبمن نثق في المستقبل لبناء "شعارات الدولة الجديدة"؟
ثمة خوف حقيقي من ضعف قدرة المسؤول الأردني على إنتاج شعارات جديدة تحمي مصالحه الشخصية نحو المؤسساتية، بعد خلو شعار "دولة المؤسسات" من دسمه. فدولتنا التي ظهر فيها كل هذا الفساد فجأة، غدت محتاجة إلى هيئة عليا للسيطرة عليه بعد أن كان يتخبأ تحت ظلال الشعارات، ويأكل ويربى من أكتاف المؤسسة الأردنية التي تدار من أغلى ما يملك البلد من طاقات وموارد، وهو المواطن، ابن البلد، وراعي مصالحه. وهذا الأمر برمته يضع العقل في اتجاه النتيجة المزعزعة للثقة في أي حلول قادمة لما يعانيه البلد من أزمات ناتجة عن التعامل مع شعارات فارغة من أي مضمون، ووهم، وفوضى مغلفة بورق المؤسسة البديع، وأشكال عديدة من التلاعب بالقوانين، حتى أصبح في النهاية بناء الثقة بين المواطن والدولة يحتاج إلى معجزة حقيقية!
بعض الناس يتفاخر بأننا أصبحنا نموذجاً في المحيط العربي لمكافحة الفساد! وهؤلاء لا يعلمون معنى أن تكون كذلك في الوقت الذي تراجعت فيه نسب قبول الخبرات الأردنية في مجالات الوظائف المالية والمصرفية والإدارية في الدول التي كانت تتمنى خبرة الأردني في هذه الحقول.
وبعض الناس يرى أن هيئة مكافحة الفساد ظاهرة صحية يبنى على أساسها الفخر في الدولة التي تسعى للحد من الفساد في مؤسساتها، وهم لا يدرون أن هذه الهيئة جاءت كضرورة حتمية بعد تغوّل الفاسدين في السلطة، وهي ليست وقاية، أو ظاهرة حضارية كما يقولون.
المشكلة أننا نبني مؤسسة لمكافحة الفساد الظاهر، ونغفل عن تأهيل مسؤول بالصورة السليمة ليكون هو الرافض لمبادئ الفساد واستغلال السلطة. وقبل أن نتحدث عن المسؤول، لماذا لا نضع برنامجاً عملياً لتدريب وتأهيل الموظفين من كافة الفئات ليكونوا هم بناة المكافحة الحقيقية للفساد في بلدنا، وليس الجهات المختصة فحسب؟
إذا أردنا أن نعيد الثقة بـ"دولة المؤسسات"، وأن نكون على "قدر أهل العزم"، وأن يكون "الإنسان الأردني أغلى ما نملك"، فعلينا أن نفعل شيئاً للوطن، لا أن نقف عاجزين أمام قوة الشعار حتى يغدو هو المسيطر لا المضمون.
وإذا توفرت الجدية في حماية مستقبل البلد من الفاسدين لدى الحكومة وقوى المعارضة على حدٍ سواء، فلماذا لا يتم بناء برنامج عمل صادق يقدم فيه الطرفان توصياتهما، ويسمى "أسس حماية مستقبل الأردن من الفاسدين" ليصبح قابلاً للتنفيذ على الفور؟