ينذر التغير المناخي المستمر بحدوث المزيد من الكوارث من موجات حر وجفاف شديدة إلى الفيضانات والأعاصير المدمرة واندلاع حرائق الغابات، وبالتالي المزيد من الخسائر الطبيعية والبشرية، ما لم تتكاتف الجهود العالمية بجميع مؤسساتها ومنظماتها وأفرادها للعمل على الحد من الاحتباس الحراري والدمار البيئي.

اضافة اعلان

وتجتمع الآن 197 دولة حول العالم في شرم الشيخ في مصر لحضور مؤتمر المناخ في دورته الـ 27، من أجل مناقشة سبل خفض انبعاثات الكربون وإيجاد الحلول المناسبة لذلك.

ولم تتوقف الأمم المتحدة عن تحذير العالم منذ العام الماضي حول اقتراب كارثة مناخية ما لم تُتخذ الإجراءات اللازمة لتخفيض انبعاثات الكربون.

وبدأت بالفعل بعض الدول الغربية باتخاذ بعض الإجراءات التي من شأنها الحد من انبعاثات الكربون والمساهمة في استقرار المناخ.

وأطلقت الأمم المتحدة إرشادات ونصائح عدة مرات للأفراد للمساهمة في الحد من تغير المناخ.

فهل يقوم الشباب العربي بواجبه تجاه كوكب الأرض ويساهم في خفض الانبعاثات الكربونية، أم هناك عوائق تمنعه من القيام بواجبهم؟

تحدثت بي بي سي عربي إلى خبراء البيئة وعدد من المواطنين في دول عربية مختلفة حول عاداتهم وسلوكهم اليومي الذي اعتمدوه أو غيروه تماشياً مع نصائح وإرشادات الأمم المتحدة.

مخطط

سمية كمال، درست الكيمياء وهي الآن أم لشابين في الجامعة، وتعيش في مدينة حلب في سوريا، تقول: "نتحدث في المنزل عن تغير المناخ وأهمية تغيير بعض العادات التي تساهم في الحد من الاحتباس الحراري، لكن لا نملك رفاهية الاختيار بين الجيد أو السيء في بلد أصبح همنا الأكبر هو كيف نبقى على قيد الحياة ونضمن قوت عيشنا".

وتوضح أن "معظم أفعالنا غير منظمة ودون تخطيط، ليس لأننا فوضويون، بل لأننا مجبورون".

يقول هارجيت سينغ، رئيس الاستراتيجية السياسية العالمية في شبكة العمل المناخي الدولية غير الربحية: "يعاني الناس من خسائر وأضرار ناجمة عن العواصف الشديدة والفيضانات المدمرة وذوبان الأنهار الجليدية، ولا يحصل سكان البلدان النامية على دعم في الوقت المناسب لإعادة البناء والتعافي قبل وقوع الكارثة التالية".

ويضيف: "إن المجتمعات التي ساهمت بأقل قدر في إحداث الأزمة هي التي تقف الآن على خط المواجهة بين أسوأ الآثار".

وتوضح سمية أنها وأسرتها الصغيرة، حالها حال الكثيرين في البلاد، لا تستهلك الكثير من اللحوم ليس من أجل البيئة بل بسبب غلاء الأسعار واستحالة تناولها أكثر من مرتين في الشهر، ولا تهدر الكثير من الطاقة الكهربائية، ليس من أجل الحد من الاحتباس الحراري بل لأنهم لا يستمتعون بنور الكهرباء إلا لساعات في اليوم، ولا تستقل الباصات إلى عملها بل سيراً على الأقدام لأنها لا تملك ما يكفي من المال للتمتع بسهولة التنقل في المدينة، وكبلد يعيش 80 في المئة من سكانه تحت خط الفقر، لا داعي لقول الاستحمام عشرة دقائق بدلاً من ساعة، لأننا بالأساس لا نستطيع الإطالة بسبب البرد وعدم توفر الوقود للتدفئة، وهلم جرا".

وتقول بضحكة ساخرة: "نحن أكثر الشعوب محافظة على البيئة ونساهم في خفض الاحتباس الحراري وأكثر من ندفع ثمن أخطاء غيرنا".

كما شارك عدد من المواطنين من لبنان والعراق آراءهم مع بي بي سي، التي لا تختلف كثيراً عن رأي سمية، بسبب الأوضاع المتشابهة في هذه البلدان.

مخطط

ويقول الدكتور دوميط كامل، رئيس حزب البيئة العالمي لبي بي سي: "اليوم، هناك وعي ملحوظ منتشر بين جيل الشباب، جيل ما بعد 2010، فهم يدركون مخاطر تغير المناخ وارتفاع درجات حرارة الأرض، أما الذين أعمارهم فوق الأربعين، فلدى أكثر من 70 في المئة منهم جهل بهذه المخاطر".

ويوضح كامل إنه "إذا لم توضع استراتيجيات عالمية خاصة بكل دولة لحماية البيئة والغابات والطاقة وإن لم ينشر الوعي بين الشباب حول تفاصيل حياتهم اليومية التي تضر بعضها بالبيئة بشكل مباشر مثل تدخين الشيشة أو حفلات الشواء في الفلا فسيخلف ذلك آثاراً خطيرة تساهم مباشرة في ارتفاع انبعاثات الكربون".

ويرى كامل إنه "إذا لم تمتلك الأنظمة العربية الفكر البيئي وتتخذ الإجراءات اللازمة وتطبق قوانين صديقة للبيئة، وتلقي بمياه الصرف الصحي في الأنهار، فما الذي يستطيع الناس القيام به؟".

ويقول كامل إن في لبنان على سبيل المثال، 80 في المئة من المياه الجوفية هي من مياه الصرف الصحي، وثمة ما هو أخطر بكثير من هذا، لذلك يجب أن يكون هناك قرار حكومي لبث برامج تنشر الوعي البيئي والأخطار الناجمة عن السلوك اليومي للإنسان".

وتقول أميمة من الرياض في السعودية إن اللحوم جزء أساسي من نظامهم الغذائي، كما أن الوضع المادي الجيد الذي يتمتعون به لا يدفعها لاتخاذ إجراءات مناسبة وصديقة للبيئة.

وتضيف: "في الواقع اشعر بالذنب لأنني أعرف أن نمط حياتنا مضر بالبيئة، بسبب كثرة استخدام سيارتنا الخاصة في النقل وتشغيل المكيف طوال اليوم وغيرها من الامور الحياتية".

لكنها ترجع نمط حياتها إلى حالة الطقس الحار في البلاد واستحالة استبدال وسائل النقل الخاصة بالعامة بل وعدم توفر وسائل النقل العامة بكثرة كتلك الموجودة في الدول الأوروبية.

صنع العلماء أقمشة من مادة البوليثين في خطوة يقولون إنها يمكن أن تقلل التلوث البلاستيكي وتجعل صناعة الأزياء أكثر استدامة.
صنع العلماء أقمشة من مادة البوليثين في خطوة يقولون إنها يمكن أن تقلل التلوث البلاستيكي وتجعل صناعة الأزياء أكثر استدامة.

لا يزال الكثيرون في المجتمعات العربية يستخدمون االأكياس البلاستسكية السوداء لحفظ الطعام أو يحفظون بعض الأطعمة والأطعمة المخللة الحامضة في علب بلاستيكية ملونة دون معرفة الأضرار التي يسببونها للبيئة باستثناء عدد من البلدان العربية التي أصبحت تولي أهمية كبيرة للأمر، ومنعت استخدام الأكياس السوداء مثل تونس ومصر والسعودية والإمارات.

وبالطبع الاستراتيجيات المتعلقة بالبيئة والمناخ متبعة في دول أوروبا أكثر من البلدان الآسيوية والإفريقية، فمثلاً تحكي نسرين، (38 عاماً) وهي شابة سورية تعيش في السويد منذ أكثر من 15 عاماً لبي بي سي عما تقوم به للمساهمة في الحد من الاحتباس الحراري وتقول: "نعيش في دولة تعتمد على الغاز الحيوي في وسائل النقل العام، وهذا يجعل الأمر سهلاً علي وعلى عائلتي والكثيرين أمثالي في السويد، لأن الدولة وفرت الطرق والسبل إلى تنفيذ ذلك".

وتقوم نسرين وأبناء إخوتها في سن المراهقة بجولة أسبوعية في الغابة المجاورة بين الحين والحين، لجمع العبوات البلاستيكية ووضعها في الحاويات المخصصة لها بشكل طوعي دون أن يطلب منها أحد ذلك.

وتقول إنهم في العائلة يتحدثون عن أهمية الحفاظ على البيئة والمناخ لأفراد أسرتها الأصغر سناً، ليتعلموا المسؤولية ويقوموا بالأفعال المسؤولة النابعة عن معرفتهم بخطورة الوضع وليس لأنه واجب فقط.

لقد غيرت نسرين وأخواتها كما تقول، بعض العادات الضارة بالمناخ.

فلم تعد تستخدم الماء الساخن كثيراً أثناء الاستحمام بل الفاتر، ولم تعد تمضي ساعة للاستحمام بل عشرة دقائق، ولم تعد تقود السيارة إلا إذا كان المكان بعيداً ولا تتوفر وسائل النقل العامة، ولم تعد تسافر خارج البلاد بالطائرة بل بالقطار، ولم تعد تتناول الكثير من اللحوم بل الكثير من الخضروات والبقوليات، ولم تعد تشتري الكثير من الأطعمة المعلبة بل تشتري الخضروات الموسمية المتوفرة بكثرة في السوق.

وأقلعت عن شراء قهوتها في كوب بلاستيكي بل تعتمد على كوبها الخاص الذي لا يفارق حقيبتها، والكثير من الأشياء الأخرى التي غيرتها عن معرفة ودراية

وهذا ما أكد عليه دوميط كامل أيضاً حيث أكد أن الإجراءات المناسبة تتخذ إذا اتخذت مراكز القرار في الدولة قرارات جدية بالتعاون مع الخبراء والمؤسسات المعنية بالبيئة والمناخ.