تغير شكل العلاقة في ثنائية الطالب والأستاذ من العصا إلى الندية

الأستاذ مخير إما مصادقتهم.. أو تحمل سخريتهم

 

       جمانة مصطفى

اضافة اعلان

عمان - لم يعلم أمير الشعراء شوقي قبل أن ينظم رائعته "قم للمعلم وفه التبجيلا" أنه سيثير حنق إبراهيم طوقان على الجانب الآخر من البحر ليطلق هو الآخر شهيرته "شوقي يقول وما درى بمصيبتي قم للمعلم وفه التبجيلا". وبين نظرية شوقي وواقع طوقان مساحة واسعة من التساؤل حول طبيعة العلاقة النموذجية التي يجب أن تربط الأستاذ بالطالب.

لم يعد سرا أن علاقة الأستاذ بالطالب قد اتخذت منحى آخر غير العلاقة الكلاسيكية المرتبطة بالعصا والعقاب والتي كانت متماشية إلى حد كبير مع هرمية المجتمع الأبوي. فاليوم لم يعد أمام الأستاذ من خيار سوى أن يكون صديقا لطلابه وإلا فإن السخرية اللاذعة هي الدليل.

هذا على الأقل ما تجزم به معلمة المرحلة الابتدائية في احدى المدارس الخاصة هيام الناشف، والتي ترى أن "المدخل الوحيد إلى هذا الجيل هو مصادقته، ومعاملتهم معاملة الأنداد". أما إذا أرادت المعلمة أن تستخدم أسلوب الشدة والصراخ فإنها ستتحول إلى "موضوع خصب جدا للسخرية اللاذعة من قبل طلابها بمجرد أن تدير ظهرها وتخرج من باب الفصل".

وتعتقد هيام أن مسؤوليتها كمعلمة ليست في التلقين، "إذ أن النظام التعليمي تجاوز هذه المرحلة واستبدل الأستاذ الذي يحمل العصا بالأستاذ الصديق"، فمهمتها هي "زرع بذرة نظيفة في نفوس طالباتها، ومحاولة تطهير عقولهم من الفكر التلقيني التخويفي الذي تمتلئ به مناهج المرحلة الابتدائية".

وعلى هذا الأخير تأتي بمثال على درس اللعب، تقول: "يعلم درس آداب اللعب الطلاب أن اللعب يجب أن يكون بهدوء"، ثم تتسائل كيف يمكن للطفل أن يلعب بهدوء دون إصدار ضجة؟، وبرأيها سيكون الطفل أمام خياران "إما أن يبدأ باستيعاب أن الدروس التي يتلقاها في المدرسة لا يمكن تطبيقها على الواقع، أو أن يحاول اللعب بهدوء كاتما طفولته ورغبته في الانفعال الفرح مع أقرانه".

وعلى الرغم من محاولاتها مساعدة الطالبات لتجاوز الدروس التي "تزرع فيهم القيم السلبية" إلا أن بعض الخوف واليأس يداهمها أحيانا من أن لا تكمل المعلمات في المراحل التعليمية اللاحقة هذا الأسلوب.

والسؤال هو ما الذي أحدث هذا التغيير في ثنائية الأستاذ والتلميذ؟ هل هو التغير المجتمعي الكامل في نظام الهرم الأبوي أم حدث بالشوكة والسكين نتيجة تغيير القانون من قبل وزارة التربية والتعليم؟

يجيب عن هذا السؤال مدير مركز التقنيات التعليمية في وزارة الجامعة الأردنية د. منعم السعايدة الذي يرى أن التغيير جاء كنتيجة طبيعية "لتغير النظرة كاملة إلى التعليم"، بالإضافة إلى تعدد المصادر التعليمية، فبعد أن كان الأستاذ هو المصدر الوحيد الذي يستقي منه الطالب علمه، "أمسى هناك العديد من المصادر الأخرى التي قد توضح للطالب صحة أو خطأ ما يتلقنه من أستاذه".

ولعل لاتفاقيات حقوق الطفل وحقوق الإنسان التي وقعتها معظم البلاد العربية بما فيها الأردن دور كبير في تغير القوانين ومن ثم تغير شكل العلاقة، ومن هنا يشير السعايدة أيضا إلى أن "علم الطالب بحقوقه وواجباته كان له أثر كبير في فرض علاقة جديدة بين الطالب والأستاذ"، حيث بات الأخير غير قادر على ضبط الطلاب بالعقاب والعصا"، وانتقل إلى كونه "موجها وليس ملقنا، وهذا الموجه لا بد أن يكون صديقا ليحسن إرسال المعلومة للطالب".

وينادي السعايدة المعلمين بإزالة بقايا الحواجز المترسبة من الشكل القديم للعلاقة بينهم وبين الطلاب نهائيا، إذ يرى أن هذه العلاقة "يجب أن تأخذ شكلا إنسانيا" موردا بعض نظريات علم الاجتماع التي تقول بأن الطالب لا يتعلم إلا إذا أحب المعلم، أي أن "القنوات يجب أن تكون مفتوحة بين الطرفين".

ويختم بالقول: "الحقيقة أن المعلم المتمكن من مهنته والممتلئ علميا وتربويا يستطيع بناء علاقة إنسانية مع الطلاب دون أن ينتقص هذا بأي شكل من سيطرته على الفصل، أما إذا كان المعلم يشعر بنقص أو ضعف في أحد الجوانب فغالبا ما سيلجأ إلى الأسلوب القمعي للسيطرة على الفصل".

يخالفه الرأي تماما عبد الله زيتون أستاذ المرحلة الثانوية في احدى المدارس الحكومية في عمان الغربية، عبد الله الذي يرى أن الرأي السابق هو "نظريات لا تمت إلى الواقع بصلة"، فهو يعتقد أن "الشدة والحزم من أهم أدوات الأستاذ المتمكن"، وأن افتراض أن الأستاذ يتعامل مع طلاب مهيأين لاستقباله بصدر رحب، يعني أن صاحب هذا القول "لم يجرب التدريس في مدارس البنين الحكومية ولا ليوم واحد".

وينوه زيتون هنا إلى اختلاف البيئات التي يأتي منها الطلاب. يقول: "دعنا لا نبحث في أسباب عدائية الكثير من الطلاب، إلا أنها موجودة بكثرة، وتلميذ واحد متمرد ومشاغب كفيل بأن ينقل العدوى لكل الفصل إذا لم يتعامل الأستاذ معه بحزم شديد"، ويذكر أن تنوع الخلفيات الثقافية والاجتماعية والعائلية التي ينتمي لها الطلاب تصدر للمدارس "أحداثا يتمتع بعضهم بميول إجرامية واضحة على المدرسة متمثلة في الأستاذ أن تقمعها في فترة مبكرة وإلا فالعواقب وخيمة".

أستاذ آخر للبنين هو علاء المصري الذي يدرس طلاب المرحلة الأساسية في احدى المدارس الخاصة، والذي يعتقد بالرأي الأول وهو وجوب أن يبني الأستاذ "علاقة صداقة مع طلابه بحدود المعقول" دون أن تأخذ شكلا "يهزّ هيبته أمامهم".

ومن هنا يظهر اختلاف الآراء بين معلمي المرحلة الأساسية والاعدادية، ومدارس الذكور ومدارس الإناث، وربما بين المدارس الحكومية والخاصة، إلا أن المعلمين وعلى الرغم من اختلافاتهم أجمعوا على رفض أسلوب الضرب معتبرينه من أساليب الزمن البائد.

هذا ويرى أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأردنية د. عبد المهدي السودي أن تغير نمطية العلاقة بين الأستاذ والطالب جاءت كنتيجة حتمية لزيادة ثقافة الأسرة عموما والطفل الذي ينتقل ليصبح طالبا في المدرسة، يقول: "زاد وعي الطفل بحقوقه وواجباته، وبات عالما أن اتفاقيات حقوق الطفل تمنع ضربه في المدرسة، فهو يعلم أن بامكانه رفع شكوى بحق من ضربه". ثم ينتقل السودي إلى الأستاذ، ويقول: "على الجانب الآخر يعلم الأستاذ أيضا أن ضرب أو شتيمة أي من الطلاب تعد تجاوزا قانونيا وسيحاسب عليه".

وعلى ضوء هذه الأسس القانونية والنابعة من اتفاقيات حقوق الطفل وحقوق الإنسان أمسى هناك فهم جديد للأساليب التربوية خصوصا بعد أن ثبت أن العنف يترك آثارا سلبية عميقة في نفسية الطفل قد لا يتجاوزها إلى سنوات طويلة.

ويختم السودي: "من الطبيعي أن تتغير طبيعة العلاقة بين الأستاذ والطالب، فالطفل يتعلم المسؤولية من الأهل وعن طريق المسائلة الطبيعية للخطأ، ولا يتعلم المسؤولية بدافع الخوف، ما علينا أن نفهمه لأطفالنا هو التالي: عليك أن تعطي الناس حقوقها وتقدم واجباتك حتى تطالب بحقوقك، ومن هنا تنبع فكرة المسؤولية".

قصيدة ابراهيم طوقان الساخرة التي يصف فيها ما عاناه مع طلابه

شوقي يقول وما درى بمصيبتي

قم للمعلم وفه التبجيلا

ويکاد يقلقني الامير بقوله

کاد المعلم أن يکون رسولا

لو جرب التدريس شوقي ساعة

لرأ? الحياة شقاوة وخمولا

اقعد فديتك هل يکون مبجلا

من کان للنشء الصغير خليلا

حسب المعلم ذلة ومهانة

حمل الدفاتر بکرة وأصيلا

مئة عل? مئة اذا هي صححت

وجد العم? نحو العيون سبيلا

فأنا أصحح غلطة نحوية

مثلاً واتخذ الکتاب دليلا

مسترشداً بالغر من آياته

أو بالحديث مفصلاً تفصيلا

وأکاد أبعث سيبويه من الثرى

وذويه من أهل العصور الاولي

وتر? حماراً بعد هذا کله

رفع المضاف اليه و المفعولا

لا تعجبوا ان صحت يوماً صيحة

ووقعت ما بين البنوك قتيلا

يا من يريد الانتحار وجدته

ان المعلم لايعيش طويلا