تغيير الأشخاص وجدلية الإصلاح

 في الاردن لا يوجد احد لا يتحدث عن الإصلاح ويرى انه ضرورة ينبغي العمل على إحداثه بسرعة قبل ان يفوت الاوان. خلال الاعوام الماضية تبنت الدولة العديد من عمليات الاصلاح تمثلت في تعديل بعض التشريعات وإحداث المؤسسات ومحاولة دفع عجلة النمو الاقتصادي وتطوير الاجراءات الادارية في بعض المؤسسات الخدمية. بالرغم من تزايد اعداد المطالبين بالاصلاح واستعداد الناس الا ان هناك اعتقادا بوجود قوى وعوامل تحول دون استكمال هذه العمليات او تؤخر تنفيذ البرامج الكفيلة بإحداثه.اضافة اعلان
 في كل مرة يلتقي فيها جلالة الملك مع ممثلي الشعب او الحكومة يجري التأكيد على اهمية توسيع دائرة المشاركة في اتخاذ القرار والدعوة الى ايجاد برامج للاصلاح الاقتصادي والاهتمام بأوضاع الطبقات الفقيرة ومتوسطة الدخل وبناء شبكات للامان الاجتماعي ورفع كفاءة الادارة العامة واعادة هيكلة المؤسسات الخدمية وغير الخدمية وخلق بيئة جاذبة للاستثمار والسير باتجاه أتمتة الادارة العامة وصولا الى حكومة الكترونية تسهل على الفرد مراجعة واستكمال المعاملات بأيسر السبل واقل التكاليف، ولا شي يحصل على أرض الواقع سوى إصدار بيانات تخلق الانطباع بأن الحكومات قد حققت او في طريقها لتحقيق ذلك.
 التعبير التقليدي عن تنامي الشعور الشعبي بالاحباط من تباطؤ العمل وتعطل وعود الاصلاح يأتي على شكل تبديل الحكومات والمسؤولين ليتجدد الامل بفعل نوعي يؤثر على نوعية الحياة ويحقق شيئا من المطالب الشعبية بالاصلاح والتغيير؛ لكن الايام تمضي دون ان يتحقق الكثير مما يصبو له الجميع فيتراكم الاحباط ليلامس حدود اليأس ويضعف الثقة بالمؤسسات والعاملين فيها.
منذ ما يقارب العقدين من الزمان باشرت وزارة التربية والتعليم بمشروع ادخال تكنولوجيا الحاسوب للمدارس ايذانا بانفتاح النظام التعليمي الاردني على البحث وتوظيف التكنولوجيا في التعليم، فزرعت المدارس الاردنية باجهزة الحواسيب لنكتشف بعد سنوات ان نسبة عالية من طلاب مدارسنا ينهون الثانوية العامة وهم لا يجيدون القراءة ويدخلون معاهد وكليات التعليم العالي دون ان يكون لديهم الحد الادنى من المعارف والمهارات التي تساعدهم على تلقي المعرفة والاندماج في البرامج ليحولوا ميادين وفضاءات الجامعات الى ساحات يتقاتلون فيها على اسس ولاسباب لا تمت للجامعة والتعليم في شيء.
الاحزاب التي يشكل وجودها وفعاليتها ركنا من اركان العملية الديمقراطية تعاني من ازمة في الهوية وضعف في الإقبال وتصدع في بنيتها اضافة الى شبح توقف الدعم المالي لها وانحسار في تأثيرها على المشهد العام كل ذلك لاسباب تتعلق بتاريخها وشعاراتها وتبعيتها واداراتها ونظرة مؤسسات الدولة لها والانطباعات التي يحملها الناس عن العمل الحزبي والآثار المحتملة للانخراط فيها على مستقبل الاعضاء وتقدمهم في الوظيفة العامة وميادين نشاطهم المهني والاجتماعي.
 كما في جوانب التعليم والسياسة ظل الاقتصاد احد اهم مشكلات الاردن المزمنة واكثرها تهديدا للاستقرار الذي اصبح سمة مميزة للبلاد عبر العقود العشرة الماضية. فبالرغم من محاولات عديدة لايجاد بيئة تشريعية وخدمات لوجستية جاذبة فقد بقي المستثمر الاردني والعربي والعالمي مترددا في الدخول الى السوق لاسباب تتعلق بعدم استقرار التشريعات وبطء الاجراءات الادارية والعوامل الاخرى ذات العلاقة بالمياه والطاقة والعمالة وتعدد جهات الرقابة والترخيص وغيرها من العوامل التي أضعفت جاذبية السوق الاستثماري الاردني مقارنة بالعديد من اسواق تشجيع الاستثمار في الامارات العربية ومصر وقطر والمغرب وغيرها.
 العولمة الامنية التي قادتها الولايات المتحدة الاميركية في اعقاب احداث 11 سبتمبر 2011 وولادة مفهوم الحرب على الارهاب خلقت واقعا جديدا تقدمت فيه برامج التعاون الامني واستقبال واستيعاب المهاجرين على الكثير من الاهداف الاصلاحية والتنموية التي كان العديد من البلدان بدأت بتنفيذها مع مطلع الالفية.
 في اللقاء الاخير لجلالة الملك مع رؤوساء اللجان واعضاء المكتب الدائم لمجلس النواب اعاد جلالته التأكيد على اهمية القيام باصلاحات اقتصادية وادارية وذكّر الجميع بوجود ما يشبه خارطة طريق للاصلاح تضمنتها الاوراق النقاشية.
 قبل ثلاث سنوات، استضاف منتدى الفكر العربي اكثر من 90 شخصية فكرية وسياسية لمناقشة محتوى الاوراق الاربع الاولى وبحضور ما يزيد على 400 مشارك بين سياسي واعلامي واكاديمي يمثلون جميع الوان الطيف السياسي وخلصوا الى انها تشكل خارطة طريق للسير نحو الإصلاح. السؤال المطروح اليوم هل قامت القطاعات المختلفة بواجباتها للتمهيد والتهيئة بالوصول الى هذا الهدف وما هي الالية التي علينا ايجادها لتحقيق ذلك؟