تفاؤل قادم من الشمال

تبعث على التفاؤل تلك المعلومات المتسربة عن قطع الاجتماعات الأردنية السورية لشوط مهم باتجاه إعادة افتتاح معبر نصيب الحدودي بين البلدين، بعد إغلاق اضطراري استمر سنوات، جراء الأزمة السورية وتدهور الأوضاع الأمنية في البلد الشقيق. وحسب ما يتسرب فإن اكتمال إعادة الافتتاح قد لا يطول كثيرا بحيث يتحقق على أرض الواقع خلال أسابيع. اضافة اعلان
بقراءة موضوعية، يمكن القول إنه لم تعد هناك عوائق أمام عودة افتتاح المعبر الحدودي مع سورية، بعد ان استعادت الدولة السورية سيطرتها على نحو 85 % من أراضيها من أيدي الجماعات المسلحة والإرهابية، ونحن اليوم بانتظار استكمال بعض عمليات التمشيط والتطهير وفرض كامل السيطرة على الجنوب السوري وعلى الطريق البري من الحدود إلى دمشق، والاتفاق على ترتيبات أمنية ولوجستية بين الجانبين.
إعادة فتح الشريان البري بين البلدين يصب بصالح الجانبين، وفي السياق الأردني فهو يعيد إحياء الشريان التجاري للصادرات الأردنية لسورية وعبرها للبنان واوروبا، كما يمكن ذلك من زيادة حصة الاردن ومنتجاته وصناعاته وخاماته بعمليات إعادة الإعمار لسورية، المقبلة على ورشة كبيرة من البناء وإعادة الإعمار، ما يفتح بابا واسعا لإنعاش اقتصادي حقيقي للمملكة، ويعيد بث الروح ببعض القطاعات الاقتصادية التي لحق بها الضرر الكبير جراء إغلاق الحدود مع سورية والعراق.  
البعد المهم الثاني الذي يثير التفاؤل أردنيا في قضية إعادة افتتاح المعبر الحدودي مع سورية، هو موضوع اللاجئين وفتح الباب لعودة أعداد وازنة منهم الى بلدهم، بعد ان تحمل الأردن أعباء اقتصادية واجتماعية وخدمية كبيرة أثقلت كاهله، في ظل تواضع الدعم الدولي وعدم تلبيته لحجم ما تقدمه المملكة وما يتحمله المجتمع الاردني من أعباء جراء تدفق أكثر من مليون لاجئ سوري على بلد منهك بأزماته الاقتصادية وضعف موارده الطبيعية.
ليس متوقعا أن يعود كل اللاجئين السوريين الى بلادهم في المرحلة القصيرة وربما المتوسطة من استعادة الحكومة السورية لسيطرتها على كامل الأرض السورية وعودة الأمن لهذا البلد، لكن التقديرات تشير الى ان اعدادا كبيرة ووازنة من اللاجئين في الأردن وفي غيره من بلاد مرشحة للعودة إلى بلادها ومنازلها وأراضيها بحال توقف الاعمال القتالية واستعادة الأمن وتحقيق بعض الشروط السياسية والمصالحات الوطنية بهذا البلد، الذي أثخنته الحرب والإرهاب وأجندات المحاور الدولية والإقليمية.
في هذا السياق، يبدو المعيق الرئيسي لبدء العودة الواسعة للاجئين السوريين الى بلادهم هو في موقف الولايات المتحدة وقوى حليفة لها، ممن توظف هذه القضية الانسانية في حربها ضد روسيا وسورية وايران، ففي الوقت الذي أطلقت روسيا بالتعاون مع الحكومة السورية مبادرة وعملية لتشجيع عودة ملايين من اللاجئين السوريين منذ عدة أسابيع، تدفع القوى الغربية التي تناصب روسيا العداء الى افشال هذه العودة، وخلق العراقيل بوجهها، حتى لو كان ذلك على حساب مصلحة اللاجئين أنفسهم ومصالح دول الجوار.
ولا ينفصل الموقف الأميركي والغربي من عملية إدلب العسكرية المرتقبة التي تعد لها الحكومة السورية وحليفتها روسيا لاستعادة السيطرة على آخر معقل للتنظيمات الإرهابية والمسلحة عن الموقف السلبي لهؤلاء ضد تسهيل عودة اللاجئين لبلادهم، بعد أن عرضت روسيا التنسيق مع الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وغيرها للعمل على هذه المهمة، دون أن تقابل بموقف إيجابي.
وبدل العمل على وضع عودة اللاجئين على رأس أولويات الولايات المتحدة وحلفائها، ذهبوا الى التصعيد ضد محاولة الجيش السوري استعادة السيطرة على إدلب وضرب تنظيم النصرة والجماعات الارهابية الاخرى، والحشد لإطالة أمد الحرب والاستنزاف للجيش السوري في إدلب، بل ومحاولة الحفاظ على الوضع الانفصالي لهذه المنطقة عن باقي سورية.
رغم كل ذلك، فاستعادة الحكومة السورية لسيادتها على كامل أراضيها تبدو في طريقها الى التحقق على الأرض، ما سيعيد فتح باب عودة اللاجئين لبلدهم على مصراعيه، وهو ما على الأردن وبلاد الجوار دعمه وتسهيله.