تقرير إنجازات الحكومة: أرقام واقعية وأسئلة معلقة

محمود الطراونة عمان– تواصل الحكومة مساعيها من أجل إسعاف نفسها وتحسين صورتها أمام الرأي العام، فبعد إطلالة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز على التلفزيون الأردني مؤخرا، جهدت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام جمانة غنيمات أول من أمس في عرض منجزات الحكومة في محاولة لاجتراح المعجزات في العام الأول من عمرها، وتبيان أنها حققت للمواطنين ما عجزت عن تقديمه الحكومات السابقة على مدى أكثر من عقد من الزمان. فالتقرير الذي نشرته الحكومة عن إنجازتها بعد أن عرضته الوزيرة غنيمات على وسائل الإعلام، صنف من قبل مراقبين على أنه يأتي في سياق ومربع محاولة الدفاع عن النفس في أعقاب استطلاع لتقييم أداء الحكومة في عامها الأول أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، وتقرير آخر لـ "راصد"، واللذان أظهرا انخفاضا كبيرا في شعبية الحكومة، في إشارة واضحة إلى أن المواطنين لم يلمسوا آثار ما قدمته حكومة الرزاز على مدار عام والتي يفترض أنها شملت تسهيلات وتخفيضات وتنزيلات بالقروض وامتيازات لا حصر لها للمزارعين والصناعيين والتجار. قد تكون الأرقام التي تضمنها التقرير واقعية ودقيقة، لكن يبقى هناك العديد من التساؤلات والاستفسارات حول عدد من المعلومات التي وردت، إلى جانب مفارقات يجب الوقوف عندها. إحدى هذه المفارقات، كانت في حديث الوزيرة غنيمات عن إنجازات هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وكأنها تتبع للحكومة وغير مستقلة، إذ أشارت إلى أن الهيئة أحالت 143 قضية للقضاء مقارنة بـ 130 قضية للعام الذي سبقه، وأن الزيارتين اليتيمتين للرئيس إلى الهيئة هما اللتان شحذتا الهمم وحفزت الهيئة لمضاعفة جهودها. وعلى أرض الواقع، فإن الهيئة تعمل وفق قانون خاص وفي إطار قضائي بعيدا عن الترويج أو الضغط. المفارقة الثانية في حديث الوزيرة غنيمات هي تطوير التشريعات والخدمات الإلكترونية التي تم تنفيذها في عمر الحكومة وهو غير حقيقي، فالراصد لأعمال الحكومة يرى أن مشروع الخدمات الإلكترونية معمول به منذ عهد حكومة الدكتور عبدالله النسور واستمر خلال حكومة الدكتور هاني الملقي لينطلق في عهد الرئيس الرزاز ضمن خدمات أمانة عمان الكبرى ووزارة الصناعة والتجارة وغيرها من المؤسسات والدوائر الرسمية، أي أنه استكمال لبرنامج الخدمات الإلكترونية الذي باشرت به الحكومة منذ عدة سنوات. أما إنجازات تطوير التشريعات فلم تكن وليدة اللحظة فجزء منها كان يرتبط بأوقات وأعمال حكومات منذ سنوات وكان قد جرى تعديل عدد منها قبل ذلك وأعادت الحكومة تعديله مرة أخرى. وفي إطار الشفافية والانفتاح ومحاربة الإشاعات لم تشهد الحكومات على مدار عقد إشاعات كالتي ظهرت في عهد الحكومة الحالية، التي لم تنجح فعليا في الحد منها إذ أن أغلبيتها كان يأتي وينتهي بمرور الوقت، فيما أرادت الحكومة تفريخ منصات واحدة للرد على الشكاوى وأخرى للإشاعات، وشكلت هياكل إعلامية كثيرة في رئاسة الوزراء وخارجها دون أن يكون لها جدوى إذا ما أعدت خطة إعلامية للرئاسة وبوشر بتنفيذها في إطار سليم وفق علاقة صحية مع وسائل الإعلام والمكاشفة في القرارات والمعلومات دون تسويف أو تنقيح. فمؤسسات الإعلام لم يشملها أي تطوير أو تحديث وبقيت على حالها تمارس أعمالها المعتادة. واللافت أيضا إعلان الوزيرة غنيمات عن بناء أكثر من 6 آلاف شقة سكنية من خلال مؤسسة الإسكان والتطوير الحضري وبيعها للمواطنين بأسعار مناسبة، وهو ما يعيدنا الى تجربة سابقة هي عدم قدرة المؤسسة على تسويق آلاف الشقق السكنية التي بنتها إما لأخطاء في التصميم أو لبعد المسافة أو لارتفاع أسعارها، ثم محاولة تسويقها على موظفي وزارة التربية والتعليم ومؤسسات أخرى وبالتقسيط وبأسعار ميسرة لكن دون جدوى. كان تركيز الوزيرة غنيمات على ترسيخ تخلي الدولة عن الدور الرعوي فيما يتعلق بالتوظيف وكانت مفرداتها تؤكد أن التشغيل وخلق فرص هو الأنسب، مؤكدة تمكن الحكومة من خلال التنسيق والتشبيك من توفير نحو 14 ألف فرصة عمل مثبتة وفق كشوفات الضمان الاجتماعي، غير أن هذا بالفعل ليس إنجازا حكوميا فالأصل بالإنجاز أن تتمكن الحكومة من جذب استثمارات من خلالها وتشغيل الأردنيين فيها دون الضغط على القطاع الخاص المنهك لتشغيل الاردنيين بشتى الوسائل ومنها التخجيل أحيانا ولو لفترة محدودة. على أن المواطن لم يطلب إيجازا عن أعمال الحكومة كما لم يطلب شهادة حسن سلوك لأعمالها ولكنه طلب أن تقدم الحكومة ضمانات بأنها لن تلجأ للجباية والابتعاد عن جيبه اولا كما حصل في المحروقات وفرض الضرائب بشكل مستمر والتعامل بشفافية دون استعراض في الملفات التي تتعلق بحياته مثل تحسين الخدمات الصحية والتعليم وجودة التأمين الصحي فضلا عن إنهاء أزمة النقل التي تحاصر كل مواطن في مختلف مواقع العاصمة. وهنا تكمن المقاربة الثالثة وهي هل تحتاج العاصمة والمحافظات الى 435 حافلة؟ وما حاجة المواطن إليها طالما أن العمل بالباص السريع على قدم وساق. ان الحديث عن انجازاتٍ في القطاع الزراعي هي أيضا وهْمٌ في ظل فشل جميع سياسات تسويق هذا القطاع وحالة الفوضى التي تعم أنحاءه والتي بات المزارع فيها الحلقة الاضعف في المعادلة. إن الحديث عن تخفيض عجز المديونية بقيمة 750 مليون دينار هو وإنْ تم فعلا، فهو على حساب مشاريع أو ملفات في غاية الأهمية كان على الحكومة ترشيدها عند وضع الموازنة لا إزالتها من نفقات الكهرباء لأحد المستشفيات أو البرامج المتعلقة بالمواطنين. وثالثة الأثافي كانت في متابعة تقارير ديوان المحاسبة للعام 2018 ورغبة الحكومة الملحة لتصويب الخلل قبيل طباعة التقرير أو إخراجه على الملأ، وهنا هل كان الهدف هو عدم إخراج التقرير أم لإثبات الحكومة أنها الأقل مخالفة من بين الحكومات، وفي المقابل، فقد كانت تقارير الديوان عن السنوات السابقة موضع تقدير، أما الفارق فهو أنه ينبغي على الحكومة أن تفسح المجال للديوان للعمل بحرية ودون ضغوط. الحكومة طلبت إلى الوزارات والمؤسسات- وفق غنيمات- إرسال نتائج أعمالها وإنجازاتها إلى رئاسة الوزراء حيث عملت لجنة متخصصة على جمعها وشكلت تقريرا مطولا من 750 صفحة تم تنقيحها وتبويبها، وكانت خلاصتها 48 صفحة أرسلت لوسائل الإعلام تحوي أرقاما صماء حول واقع أعمال وإنجازات الحكومة خلال العام الأول لها. ويبقى المهم أنه ليس مطلوبا من الحكومة إغراقنا بالأرقام الصماء بنتائج أعمالها و "إنجازاتها" ولكن المطلوب هو كيف ستعكس واقع هذه الإنجازات على حياة الناس ومعيشتهم ومستوى رفاههم. الحكومة أاخطأت عندما حاولت ركوب الموجة، فربما لو عملت عملا واحدا ترك أثرا في الناس لكان كفيلا بتحسين صورتها دون الحاجة الى حملات الاعلام والعلاقات العامة.اضافة اعلان