تقرير "حالة البلاد" يستدعي حالة الطوارئ

انشغلت النخب السياسية في الأردن في الجدل والنقاش حول تقرير "حالة البلاد" الذي أطلقه المجلس الاقتصادي الاجتماعي الذراع الاستشاري للحكومة ويقع على (1590) صفحة، ووصفه رئيس المجلس الدكتور مصطفى الحمارنه بأنه "جردة حساب" داخلية للوزارات والمؤسسات الرسمية المختلفة. النتائج التي خلص لها التقرير صادمة وتشير الى فشل متراكم في الدولة منذ أكثر من عقدين، الفترة التي غطاها التقرير في أبحاثه ودراسته، ولم يصدر حتى الآن حسب اطلاعي الا رد وحيد عن الهيئة المستقلة للانتخاب وصفت النتائج التي توصل لها، وخاصة ما يتعلق بحالة التنمية السياسية والإصلاح السياسي في الأردن بأنها "انطباعية"، لم تنم عن أي دراسة حقيقية أو منهجية واضحة، وأن الفريق المكلف بإعداد هذه الجزئية يفتقر الى المهارات البحثية. وذهب رد الهيئة المستقلة للانتخاب أبعد من ذلك بالقول "نجد أن التقرير خلا من المنهجية الواضحة في الوصول الى النتائج، بل استخدم انطباعات عامة لا تصل الى الدقة". باستثناء موقف الهيئة المستقلة للانتخاب فإن هناك حالة من الصمت تجاه تقرير نقدي يوجه أصابع الاتهام للحكومات المتعاقبة بالعجز المتراكم عن تحقيق أهدافها المعلنة، ويؤكد على اتساع فجوة الثقة مع المواطنين، والتقرير يؤشر الى التقصير ومسؤولية ومساهمة (307) وزراء على مر السنوات الماضية. لم أقرأ تقرير "حالة البلاد" كله، فهو يحتاج الى وقت طويل، ولكن أتيح لي الوقت للاطلاع السريع على الأجزاء المتعلقة بحالة حقوق الإنسان، والإعلام، وحتى أصدر تقييماً موضوعياً فإن الأمر يتطلب قراءة متأنية ومتبصرة، غير أن التشخيص المبدئي للمشكلات الحقوقية والإعلامية واقعي، و"يضع اليد على الجرح" بشكل واضح. تقرير "حالة البلاد" هو النسخة الأولى من سلسلة تقارير سنوية، تناولت المحاور الاقتصادية والاجتماعية، وراجعت أداء السلطة التشريعية، والقضاء، وحكم القانون والعنف المجتمعي، والمجتمع المدني، والتنمية السياسية، وخطب العرش، وكتب التكليف، وحقوق الإنسان. تقرير "حالة البلاد" راجع (120) استراتيجية قطاعية أطلقتها الوزارات والمؤسسات العامة، وعمل على إعداده مئات من الباحثين والمحكمين، وعُرضت الأوراق البحثية للنقاش خلال (35) جلسة عمل شارك بها العديد من المسؤولين والخبراء والمختصين. التمهيد للتقرير الذي كتبه رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي الدكتور مصطفى الحمارنه جريء جداً، ويمثل لب وجوهر القصة، ومن الضروري التوقف عند الاستخلاصات التي توصل إليها. أبرز النتائج المقلقة جداً أن معظم الاستراتيجيات للحكومة لم تقترن بخطط تنفيذية، ولم ترتبط بجداول زمنية لتطبيقها، ولم تُخصص لها حتى الموارد المالية، بالإضافة لضعف الموارد البشرية لتنفيذها، وعدم وجود قاعدة بيانات رصينة للاعتماد عليها. هذه النتيجة وحدها "كارثة" إن لم يُثبت رؤساء الحكومات الوزراء السابقون عدم صدقيتها، وهذا يعني أن الاستراتيجيات لم تكن سوى "بروبجندا" للضحك على الشارع، فكيف ستنفذ ما تريد إن لم تتوفر المخصصات المالية؟! ويكمل الحمارنه في التمهيد الى القول "ان التنسيق والتشبيك بين الجهات المعنية لتنفيذ الاستراتيجيات يكاد يغيب، وغدت معظم الاستراتيجيات حبراً على ورق وظلت حبيسة الأدراج". ومن النتائج لهذا الواقع كما يقول التقرير "التراجع الفادح والضعف في أداء الدولة وعدم قيامها بدورها في تقديم خدمات عامة تلبي حاجة مواطنيها دون تمييز أو محاباة أو زبائنية واتساع فجوة الثقة بين الحكومات والمواطنين". تقرير "حالة البلاد" يدق ناقوس الخطر، ويكشف عن مشكلات مؤسسية عميقة، ويعري حالة الإنكار التي توالت على البلاد في العقدين الماضيين، وهو ما تسبب في التراجع المستمر، وعدم شعور المواطنين بتقدم في مستوى المعيشة، وتراجع في الخدمات العامة. حين يشير التقرير الى تشوه البنى المؤسسية في الحكومة، وشيوع الولاء للأشخاص، فإن الحاجة ملحة جداً الى إعلان حالة الطوارئ ووضع استراتيجية لإنقاذ البلاد من الحالة التي وصلتها. تحسن حكومة الدكتور عمر الرزاز صنعاً إذا عرضت هذا التقرير لنقاش جدي في مؤتمر يشارك به رجالات الدولة والخبراء، ويكون مخصصاً لتشخيص حالة البلاد بكل واقعية وأمانة، دون "تسحيج" وخطابات إنشائية فارغة. حالة البلاد صعبة، هذا مؤكد ونعيشه جميعاً، وتضافرت عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية لتزداد الأمور سوءاً، لكن التقرير الصادر عن جهة حكومية كان "مجهراً" كشف العيوب، وأظهر "مساحيق التجميل" التي لم تصلح الحال، فذهبت وبقي الواقع الأليم ماثلاً أمامنا ويؤرقنا.اضافة اعلان