تقييم آثار القرارات الاقتصادية

د. هيثم أبوكركي

ظهر مصطلح تشجيع الاستثمار بعد موجة تحرير الأسواق التي سادت العالم بعد ظهور ما سمي بالنظام العالمي الجديد وما نتج عنه من سياسة الانفتاح والعولمة ، حيث تهدف سياسات الاستثمار إلى جذب رؤوس الأموال والتكنولوجيا، وتحقيق النمو الاقتصادي، وتحفيز عملية الإنتاج وتشجيع دورة التدفق النقدي مما سينعكس على مسائل اجتماعية ذات آثار وابعاد اقتصادية مثل الفقر والبطالة، وعادة ما تقوم الحكومات بتشجيع الاستثمار بوسائل مختلفة تشمل الحوافز الضريبية وتسهيلات البنية التحتية وتوفير البيئة المناسبة للإنتاج والتوزيع على الصعيد التشريعي والاداري.
والمتطلع الى عملية جذب الاستثمار في الأردن يلاحظ في احيان كثيرة تضاربا فيما بين القرارات الحكومية مع جوهر عملية تشجيع الاستثمار، وقد يعود ذلك الى ضعف التنسيق بين مختلف الدوائر الاقتصادية، فنحن للأسف نفتقر في كثير من الاحيان – وحتى على المستوى الشخصي – الى القدرة على العمل بروح الفريق ومما يزيد من صعوبة المهمة تعدد الجهات المشرفة على العملية الاستثمارية واتساع المنظومة التشريعية الناظمة لإعمالها وهو ما سينعكس بالضرورة على الاداء والقرارات التي قد تخدم اهدافا اخرى إلا انها قد لا تكون القرارات الامثل فيما يتعلق بتوفير البيئة المثلى لدفع العجلة الاستثمارية
ولنا في ما سبق أمثلة تظهرها القرارات الحكومية المتعلقة بفرض ضرائب على التجارة الالكترونية والإعلانات على مواقع التواصل الاجتماعي والقرارات الحكومية المتعلقة بزيادة الضريبة على مركبات الهايبريد والتي انعكست على سوق التخليص وتجارة السيارات في المناطق الحرة بشكل خفض نسبة التخليص على المركبات لتصل الى سبعين في المائة نزولا عما كانت عليه في نفس الاشهر من العام الماضي حسب التصريحات الحكومية.
ان الاقتصاد دائرة متكاملة ومنظومة متوائمة يشد بعضها بعضا وعند تأثر جزء منها تتأثر باقي الاجزاء وقياسا على القاعدة التي لا تنحصر في مجال الفيزياء فإن لكل فعل رد فعل، فزيادة الضرائب على سلعة ما تعني زيادة التكاليف وبالتالي زيادة السعر مما قد يدفع المستهلك وهو الحلقة النهائية في منظومة الاستهلاك ومحرك دورة التدفق النقدي الى العزوف عما غلا، فتنخفض بالتالي المبيعات وبالتالي تنخفض معها الضرائب التي تحصلها الدولة، ولا داعي لذكر ما سيتبع ذلك من آثار سلبية من قلة المبيعات، وانخفاض الانتاج وانتشار البطالة والتوجه الى الاقتصاد غير الرسمي وما يستتبع كل ذلك من مشاكل نحن في غنى عنها.
ومن هنا تأتي فكرة تقييم أثر القرارات الحكومية قبل إصدارها كفكرة يمكن ان تساهم في تخفيف حدة التضارب بين القرارات الحكومية المختلفة ومجمل الاهداف التي تسعى الحكومات الى تحقيقها وملخصها دراسة آثار القرارات الحكومية المحتملة بناء على المعطيات المتوفرة وفي ضوء مختلف الاحتمالات بشكل سيقينا مرارة الوقوع في التجربة والخطأ مرارا وتكرارا، وسيقدم أداة تنسيقية بين مختلف الدوائر الحكومية والتي تتعامل مع ملف يعد من أهم التحديات التي تواجهها الحكومة الاردنية بشكل يكفل تحقيق الاهداف المرجوة على الوجه الامثل.
ويتطلب تنفيذ هذة الفكرة وجود تنسيق بين مختلف الجهات الحكومية المعنية بالعملية الاقتصادية ويتطلب كذلك وجود القدرة على المواءمة بين الاهداف على المدى القريب والبعيد إضافة الى وجود قاعدة بيانات موحدة تضم في طياتها جميع ما يتعلق بالعملية الاقتصادية من قرارات مع تقييم لآثارها المحتملة وكافة الاحتمالات مع ايجاد خطط بديلة مناسبة لكافة الاحتمالات الممكنة حتى نتجنب الوقوع في أخطاء قد تكلفنا الكثير في ظروف حرجة كالتي نمر بها حاليا.

اضافة اعلان

باحث زائر بجامعة وسترن اونتاريو