تكليف ملكي صريح

حمل كتاب التكليف الملكي للحكومة رؤية واضحة لا تحتمل التأويل (فالاستمرار في الإصلاح الشامل خيار استراتيجي). وجاء فصيحا في التعبير أشد ما تكون الفصاحة (فتحقيق التنمية السياسية بما يزيد من المشاركة الشعبية في صناعة القرار شرط لنجاح كل جوانب الإصلاح الاقتصادية والاجتماعية الأخرى). ولم تختلف عن ذلك صراحة المضمون التي بدت أكثر ما تكون الصراحة (فإن وتيرة الإصلاح لم تسر بالسرعة التي أردناها، وأخضعت غير مرة للحسابات الضيقة والمصالح الخاصة).

اضافة اعلان

لا نختلف جميعا على أن الأردن يستحق ما هو أفضل، وأن الأردنيين قادرون على تحقيق ذلك الأفضل المنشود. والطريق إلى ذلك معروف تماماً، وهي ليست المرة الأولى التي تذكرنا بها كتب التكليف الملكية وهي تدعو للاستمرار في الإصلاح الشامل كخيار استراتيجي لمسيرتنا التنموية في المجالات كافة. وإن كنا ندرك للأسف أنه قد لا يكون التذكير الأخير. فلا أقل من أن نبدأ باستكمال خطوات المرحلة الأولى ونستعد إلى ما هو أعمق في مشوار رحلتنا الطويلة للإصلاح.

آن للحكومات أن ترى في التنمية السياسية أولوية على ما عداها، لأنها المسؤولة عن المشاركة الشعبية في إدارة شؤون الدولة، المؤدية دون غيررها إلى نجاح الإصلاح الإقتصادي والإجتماعي. وإن من الواجب تحقيق ذلك عملياً على أرض الواقع من خلال التشريعات الناظمة للحياة السياسية والمتعلقة تحديدا بالانتخابات وبناء الحياة الحزبية وحرية الصحافة وإشاعة الحياة المدنية، بالإضافة إلى احترام مجلس النواب وتجنب احتوائه واختطافه من دوره التشريعي والرقابي.

ولأن الحكومات لم تدرك ذلك حق إدراكه بعد، ولم تعمل على تحقيقه، فإن وتيرة الإصلاح كما وصفها كتاب التكليف لم تسر بالسرعة التي أرادتها القيادة. ولذات السبب المتمثل في قصور إدراك الحكومات لأولوية التنمية السياسية فقد تم إخضاع الإصلاح بحسب كتاب التكليف للحسابات الضيقة والمصالح الخاصة.

في ضوء نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية غير مقنعة لعقود مضت، تصبح المراجعة الاستحقاق الأهم للإصلاح الذي طال انتظاره. فلم يعد مرضيا ارتكاب المزيد من الأخطاء سواء في التلكؤ في خطوات الإصلاح، أو محاصرة الإصلاح بحسابات ضيقة، أو إعاقته لحساب مصالح خاصة.

إن أول مؤشر على وعي الحكومات لحقيقة دورها يتمثل في اختيار الفريق الحكومي على أساس الكفاءة الشخصية والفنية والإدارية والسياسية.

إن من يدعو للإصلاح عليه أن يبدأ بما لا يختلف عليها اثنان وهو البدء بإصلاح تشكيل الحكومات. هذا الانجاز قبل غيره يمكن أن يجعلنا نرى ضوءا في نهاية النفق. ففي الدول التي لم تصل إلى مرحلة الديمقراطية بعد، يبدأ الإصلاح من الإدارة العليا للدولة، وبصلاحها يتحرك كل شيء إلى الأمام، وإن لم تقم بدورها تصبح الحكومة مثل غيرها جزءا من حلقة التراجع المفرغة.

[email protected]