لا يمكن أن نتخيل أن أحدا من الناس قد يرغب في أعماقه أو قد يتسبب منفردا بالفشل في حياته الزوجية، وبطبيعة الحال لا أحد كذلك يسعى بكامل وعيه إلى خراب البيوت، والأصل في علاقة الزواج هي الديمومة والاستمرار، هذا إذا افترضنا لغايات الجدل أنها وعلى الدوام علاقات معافاة سوية منسجمة قائمة على عناصر المحبة والثقة والتفاهم، ما يثمر بالنتيجة عن إنجاب أطفال سعداء أصحاء نفسيا يمارسون حقهم الطبيعي في طفولة آمنة مستقرة زاخرة بمشاعر الفرح والحب والأمل، فتنمو مداركهم وخبراتهم الإنسانية وتتضح وتتحدد ملامح هوياتهم النفسية من سلوكيات وطباع، في ظل والدين متحابّين، تجمع بينهما مشاعر الألفة والمودة والسكينة والصداقة الحقيقية، التي تجعلهما أكثر قدرة وقابلية على العطاء والاعتناء بأبنائهم والتعاون كجبهة واحدة في مواجهة صعوبات الحياة وتحدياتها لغاية منح أطفالهم، الحياة الهانئة الوادعة التي يستحقون، والعمل على تأمين مستقبل أفضل لهم، بحيث يصبحون رجالا ونساء أسوياء قادرين على التصدي للحياة بصلابة وتماسك، غير محملين بعقد الكراهية والنفور، محققين ذواتهم على صعيد إنساني متمكنين من مهارات التواصل الاجتماعي حائزين النجاح الأكاديمي والمهني، الذي لن يتأتى بسهولة إلا في حالة أولئك المحظوظين ممن أتاحت لهم الحياة ظروفا طبيعية خالية من أجواء الحقد والتناحر والبغضاء التي تطيح بثقة الطفل بنفسه، وتولد لديه شعورا بالدونية واحتقار الذات، مؤهلين لتكوين حياة أسرية عفيّة، مكررين بالضرورة النمط الإيجابي البناء الذي تربوا في كنفه.
غير أن سجلات المحاكم الشرعية وتقارير مركز حماية الأسرة تؤكد أن هذه الصورة المشرقة الوردية غير قابلة للتعميم على بيوتنا، وتكاد تصبح الاستثناء في ظل حقيقة تقول إن حالات الطلاق وصور العنف الأسري في ازدياد. وقد بلغت حالات الطلاق المسجلة في العام 2007 ثلاثة عشر ألف حالة. ويعزو اختصاصيون أسباب الطلاق إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة، إضافة إلى عدم القدرة على التعامل مع الآخر، وانعدام ثقافة الحوار الإنساني بين الأزواج.
ويضيف الاختصاصيون أسبابا أخرى مثل تدخل الأهل واختلاف البيئة والمستوى العلمي وغيرها من الحقائق الإحصائية الباردة المجردة، ولا يعلقون أهمية كبرى على انتفاء شرط الحب والقبول كأساس طبيعي لأي علاقة إنسانية، سوف يكون استمرارها بحكم القانون أو بموجب نظريات علماء السلوك الاجتماعي، أو بسبب تدخل فاعلي الخير من الساعين إلى إصلاح ذات البين ضربا من المستحيل. وبغض النظر عن فداحتها تبقى تلك الحالات المعلن عنها قيد البحث والتحليل والسيطرة. غير أن الخطر الحقيقي يكمن خلف أبواب تلك البيوت المغلقة على أسرارها من خلافات زوجية حادة مسكوت عنها، بلغت عبر السنين حد اللاعودة وأدت إلى جو عائلي مسكون بالتنافر والوحشة في تواطؤ مرعب عنوانه الحقيقي الخوف "من حكي الناس" متذرعين بمصلحة أطفال يتم الاستفادة منهم واستثمارهم كورقة ضغط في مجريات النزاع، وكرخصة للاستمرار الميكانيكي في حياة زوجية لفظت أنفاسها ولم يمتلك أحد الجرأة لإعلان وفاتها. ويظل الأطفال هم الضحايا الأبرز لهذا الوضع غير الإنساني الشاذ الذي يحكم عليهم بالعيش ضمن ظروف طفولة بالغة الصعوبة، ويجعل منهم نماذج إنسانية شوهاء، شديدة الإحساس بالغبن وبالغضب ولن تخلو في حالات عديدة من نزوع إلى العنف كوسيلة للفت النظر. عاجزة عن تحقيق أي إنجاز، مثقلة بإرث من الكراهية قد يكبل أي طاقة لديهم باتجاه الحياة؛ لأنهم سوف يكررون باللاشعور النمط الأسري البائس ذاته!