تمثال لستالين؟

تمثال للزعيم السوفياتي جوزيف ستالين بعد أن تعرض للتخريب - (أرشيفية)
تمثال للزعيم السوفياتي جوزيف ستالين بعد أن تعرض للتخريب - (أرشيفية)

بيتر سنجر*

 

برينستون- كان هتلر وستالين من الطغاة المتوحشين الذين ارتكبوا الكثير من جرائم القتل وعلى نطاق واسع. لكنه في حين أن من المستحيل أن نتخيل وجود تمثال لهتلر في برلين أو أي مكان آخر في ألمانيا، انتهى العمل توّاً في ترمين تماثيل لستالين في مختلف مدن جورجيا (مسقط رأسه)، فضلاً عن التخطيط لإقامة تمثال آخر له في موسكو نفسها، كجزء من إحياء ذكرى جميع الزعماء السوفيات.

اضافة اعلان

في حقيقة الأمر، يمتد الاختلاف في المواقف حول هذه المسألة إلى ما هو أبعد من حدود البلدان التي حكمها هذان الرجلان. ففي الولايات المتحدة، هناك تمثال نصفي لستالين في المتحف الوطني التذكاري لساعة الصفر في ولاية فرجينيا. وفي نيويورك، تناولت طعام الغداء مؤخراً في مطعم روسي يعرض طابعاً سوفياتياً، وتعمل فيه نادلات يرتدين أزياءً سوفياتية، وعلى جدرانه لوحة زيتية لمجموعة من القادة السوفيات، يتقدمهم ستالين. وفي نيويورك أيضاً هناك حانة الاستخبارات الروسية (كيه.جي.بي). وحسب ما أعلم، ليس هناك أي مطعم نازي الطابع في نيويورك، أو حانة للجستابو أو قوات الحزب النازي الخاصة في تلك المدينة.

ما السبب إذن في أن بعض الناس يرون شخصية ستالين أكثر قبولاً من هتلر إلى حد ما؟

في مؤتمر صحفي عقده مؤخراً، حاول الرئيس الروسي فلاديمير بوتن تقديم المبرر. فعندما سُئِل عن اعتزام موسكو إقامة تمثال لستالين، أشار إلى أوليفر كرومويل، زعيم الجانب البرلماني في الحرب الأهلية الإنجليزية في القرن السابع عشر، وتساءل: "ما الفارق الحقيقي بين كرومويل وستالين؟". ثم أجاب عن سؤاله بنفسه فقال: "لا شيء على الإطلاق"، وذهب بعد ذلك إلى وصف كرومويل بأنه "زميل داهية لعب دوراً مبهماً وملتبساً للغاية في تاريخ بريطانيا". (هناك تمثال لكرومويل ينتصب خارج مبنى مجلس العموم البريطاني في لندن).

قد يكون وصف "مبهم" معقولاً في تصوير مدى أخلاقية تصرفات كرومويل. فرغم أنه روج للحكم البرلماني في إنجلترا، ووضع حداً للحرب الأهلية، وسمح بدرجة من التسامح الديني، فإنه أيضاً كان يدعم محاكمة وإعدام تشارلز الأول، كما قاد حملة غزو وحشية لأيرلندا رداً على تهديد محتمل من تحالف كان في طور النشوء بين كاثوليك ايرلنديين وملكيين إنجليز.

لكن ستالين، على النقيض من كرومويل، كان مسؤولاً عن موت أعداد هائلة من المدنيين من دون وجود أي حرب أو حملة عسكرية. ووفقاً لتقديرات تيموثي شنايدر، مؤلف كتاب "أرض الدماء"، مات نحو مليونين إلى ثلاثة ملايين من البشر في معسكرات العمل القسري السوفياتية، وربما أعدِم أكثر من مليون شخص رمياً بالرصاص خلال فترة "الرعب الأعظم" في أواخر ثلاثينيات القرن العشرين. وقضى خمسة ملايين آخرون نحبهم جوعاً في المجاعة التي دامت من العام 1930 إلى العام 1933، وكان من بينهم 3.3 مليون أوكراني ماتوا نتيجة لتطبيق سياسة مقصودة ترتكز على جنسيتهم أو وضعهم باعتبارهم فلاحين مزدهرين نسبياً من أولئك الذين عرفوا بمسمى الكولاك.

بالإضافة إلى ذلك، لم تضع تقديرات شنايدر الإجمالية لعدد ضحايا ستالين في الحسبان أولئك الذين تمكنوا من البقاء على قيد الحياة، رغم العمل القسري بالسخرة، أو في المنفى الداخلي في ظروف بالغة القسوة. وقد يضيف ضمنياً نحو 25 مليون شخص إلى عدد أولئك الذين لاقوا معاناة رهيبة نتيجة لاستبداد ستالين. والواقع أن إجمالي عدد الضحايا الذين يعزو شنايدر موتهم إلى ستالين يظل أقل من الرقم الذي يتم الاستشهاد به عادة والذي يبلغ نحو عشرين مليون شخص، وفقاً لتقديرات مؤرخين تمكنوا من الوصول إلى محفوظات الحقبة السوفياتية. ورغم ذلك، فإن إجمالي عدد الضحايا يظل مروعاً -يماثل عدد ضحايا جرائم القتل التي ارتكبها النازيون (والتي وقعت خلال فترة أقصر).

فضلاً عن ذلك، وانطلاقاً من المحفوظات السوفياتية نفسها، لا يستطيع المرء أن يقول إن جرائم القتل النازية كانت أسوأ لأنها استهدفت الضحايا على أساس العرق أو الجنس. ذلك أن ستالين أيضاً كان يختار بعض ضحاياه على الأساس نفسه -ليس الأوكرانيين فحسب، بل وأيضاً الأشخاص الذين ينتمون إلى أقليات عرقية مرتبطة ببلدان مطلة على الاتحاد السوفياتي. كما استهدف ستالين بالاضطهاد عدداً كبيراً من اليهود.

صحيح أن ستالين لم يستخدم غرف الغاز، ويُقال إن الدافع وراء جرائم القتل التي ارتكبها لم يكن الإبادة الجماعية، بقدر ما كانت ترهيب وقمع المعارضة الحقيقية أو المتوهمة لحكمه. لكن هذا لا يبرر بأي حال من الأحوال حجم ما حدث من عمليات القتل والسجن في حق البشر.

وإذا كان هناك أي "أوهام" بشأن سجل ستالين الأخلاقي، فإن ذلك ربما يكون راجعاً إلى حقيقة أن الشيوعية تلعب على وتر بعض أنبل مشاعرنا، أو السعي إلى تحقيق المساواة بين الجميع والقضاء على الفقر. ولن نجد أثراً لمثل هذه التطلعات العالمية في النازية، التي كانت حتى في مظهرها غير مكترثة بما قد يحقق صالح الجميع، بل إن همها الرئيسي كأنه تحقيق صالح مجموعة عرقية واحدة مفترضة، والتي كانت مدفوعة بوضوح بالكراهية والاحتقار للمجموعات العرقية الأخرى.

غير أن الشيوعية في عهد ستالين كانت النقيض التام للمساواة، لأنها أعطت سلطة مطلقة لقِلة من الناس، وأنكرت على كثيرين كل حقوقهم. وينسب أولئك الذين يدافعون عن سمعة ستالين إليه الفضل في انتشال الملايين من براثن الفقر؛ لكن أولئك الملايين كان من الممكن انتشالهم من براثن الفقر من دون قتل وسجن ملايين آخرين.

ويدافع آخرون عن عظمة ستالين على أساس الدور الذي لعبه في صد الغزو النازي وإلحاق الهزيمة بهتلر في نهاية المطاف. ولكن تطهير ستالين للقادة العسكريين أثناء فترة الرعب الأعظم أضعفت الجيش الأحمر بدرجة خطيرة، وكان توقيعه على ميثاق عدم الاعتداء السوفياتي النازي في العام 1939 سبباً في تمهيد الأرضية لاندلاع الحرب العالمية الثانية، كما كان عماه عن التهديد النازي في العام 1941 سبباً في جعل الاتحاد السوفياتي غير مجهز أو مستعد لمقاومة هجوم هتلر.

يظل صحيحاً أن ستالين قاد بلاده إلى النصر في الحرب، ومكنها من اكتساب مكانة القوة العالمية التي لم تكن قد نالتها من قبل، والتي بدأت تسقط من عليائها منذ ذلك الحين. وعلى النقيض من ذلك، ترك هتلر بلاده محطمة ومحتلة ومقسمة.

الحقيقة أن الناس يرتبطون ببلدانهم ويتطلعون باحترام إلى أولئك الذين تولوا قيادتها عندما كانت في أوج قوتها. وقد يفسر هذا السبب في إبداء أهل موسكو استعداداً أكبر للقبول بنصب تمثال لستالين مقارنة باستعداد أهل برلين للقبول بتمثال لهتلر. لكن هذا لا يشكل سوى جزء فقط من السبب وراء المعاملة المختلفة التي يلقاها هذان السفاحان. وما أزال أشعر بالحيرة الشديدة إزاء المطعم السوفياتي وحانة "كيه جي بي" ذات الطابع السوفياتي في نيويورك.

 

*أستاذ أخلاق الطب الحيوي في جامعة برينستون، وأستاذ فخري بجامعة ملبورن. من بين مؤلفاته كتاب "تحرير الحيوان"، وكتاب "أخلاق عملية"، وكتاب "عالم واحد"، وكتاب "الحياة التي يمكنك إنقاذها".

*خاص بالغد، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت"، 2014.