تمرد الهامش الاجتماعي على الأيديولوجيا

تُرى كم يستطيع النظام الايراني الإبقاء على تمدده الخارجي، وقد شهد 900 مظاهرة عمالية في 2017 و35 % من عموم شبابه عاطل من العمل، و5 ملايين جامعي إيرانيّ يبحثون عن عمل، و30 % من الشعب الإيراني يعيشون تحت خط الفقر، و42 مليون من أقلياته من غير الفرس في حالة غليان واستياء؟ سؤال تمّ طرحه في حلقة نقاشية أقيمت في أبوظبي، وقاربت طبيعة الأزمات الهيكلية والمزمنة التي يعيشها النظام الإيراني، واستكشاف القوى المتصارعة والمصالح المتضاربة والرؤى المتناقضة في سياقات النظام، وتحليل أسباب اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، واستمرت نحو أسبوعين، واستشراف نتائجها المحتملة واتجاهاتها المستقبلية، بعد مرور نحو شهر على اندلاعها.اضافة اعلان
ولقد تمّت الإشارة في الحلقة النقاشية إلى الدوافع الاقتصادية والمعيشية الحقيقية للاحتجاجات، وبخاصة إثر تعرض قطاع واسع من الشعب الإيراني للضرر بسبب ارتفاع مُعدلي التضخم والبطالة نتيجة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي لحكومة الرئيس حسن روحاني، الذي من عناصره رفع الدعم الحكومي. ويترافق تطبيق هذا البرنامج مع غياب معالجة حالة التهميش منذ الثورة لكثير من المدن والمناطق التي تقع في أطراف البلاد، لذا سارعت الأطراف إلى الانضمام إلى حركة الاحتجاج. في هذا السياق، قال محرر الشؤون الإيرانية في صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، عادل السالمي، إن الاحتجاجات الأخيرة في إيران هي تمرد الهامش الاجتماعي على المركز، مشيراً إلى أن المرأة قامت بدور مهم في الحراك الأخير. وتنقل تقارير إعلامية عن ناشطين قولهم إن الاحتجاجات الأخيرة تشكل تصاعداً في حراك نسوي ضد القيود المفروضة بإيران على أزياء النساء في الأماكن العامة. وقد ذكر مشاركون في الحلقة النقاشية بأنّ الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة كشفت عن حالة شعبية من تراجع الأيديولوجيا واضمحلال بريقها، لا سيما أن مدينة مشهد التي انطلقت منها الاحتجاجات الإيرانية الأخيرة، تُعدُّ المدينة التي يسكنها أكبر عدد من سكان "العشوائيات، أو مدن الصفيح". هنا يطرح البعض مقاربة أنّ الأزمات الداخلية تدفع النظام الإيراني أكثر نحو الخارج.
التيار الأصولي في إيران قام بتسييس الاحتجاجات، بالتشجيع الأوّلي من طرف هذا التيار لمعاقبة حكومة روحاني. كما رفع بعض المحتجين شعارات تندد بسياسات النظام التي أدت إلى إفقار الشعب وتبديد ثروته على التدخلات الخارجية. وكان لافتاً أيضاً رفع بعض المتظاهرين شعارات تطالب بعودة الملكية، بالرغم من أن الجيل الذي خرج إلى الشوارع هو الجيل الذي نشأ في عهد الجمهورية الإسلامية وتم تلقينه مبادئ الثورة والنظام الإسلامي. معنى ذلك أن "صراع الأجيال" حاضر في التحليل السيسولوجي للواقع الإيراني اليوم، وما ينطوي عليه من أزمات بنيوية، برغم القشرة الخارجية التي توحي بالقوة والتمدد.
يرجّح خبراء بأن نجاح النظام في قمعِ المظاهرات وإخمادِ جذوتها، ما هو إلا تأجيلٌ للمشكلة فحسب، فما لم يعالج المظالمَ التي أخرجت الناسَ إلى الشوارع، ويستجيب للمطالبِ التي رفعوها، فستبقى احتمالاتُ تجدُّدِ هذه الاحتجاجات قائمةً، وستتعمقُ وضعيةُ الأزمة. وقد لفتت المناقشات في الحلقة المذكورة إلى أن تزايد هجرات الإيرانيين إلى الخارج قد يكون عامل ضغط على النظام الإيراني لدفعه نحو الإصلاح والاستماع لشعبه الذي يهرب من ضعف التنمية وضعف الحريات.