تمشي على استحياء!

وأضافوا إلى قائمة التنزيه بنداً جديداً هو الجامعات الأردنيّة باعتبارها "صروحاً علميّة لا يجوز المساسُ بها.." والمساس هنا يعني النقد. أي، من اليوم "ورايح" لا يجوز لكاتبٍ أو كاتبةٍ توجيه نقدٍ لأي جامعة أردنيّة، لأنها صرحٌ علميّ. يعني أن تاريخ الجامعة العريق بحدّ ذاته عاصمٌ لها عن الخطأ والخطل.. وهو تصوُّرٌ طوباويٌّ وخياليٌّ للجامعة التي هي صنع البشر وإدارة البشر. فصارت الجامعةُ في رأسِ هؤلاء الطوباويين، كارهي النقد واستعمال العقل، مثل ما آلَ إليه الجامعُ أو المسجد من قدسيّةٍ، تحيلُ من ينتقدُ خطبةً فيه، إلى الكفر والهجوم على الإسلام، والإلحاد..!! وهكذا كان!اضافة اعلان
فالنائبُ المحترم الذي قيلَ لي إنه لم يفتح فاهه الشريف طوال 4 سنوات من عمر المجلس، فتحه الأسبوع الماضي ليعجبَ من تطاولي على جامعة اليرموك لنشاطها الإخونجي، وهي "صرحٌ من صروح الوطن"! حتى ظننتُ أني كنتُ أقدم في مقالتي مشروعَ قانونٍ، وأنَّ الأخ الكريم يعترضُ عليه ويفنّده! غير أنَّ الأعجبَ أنَّ مدير العلاقات العامة في الجامعة المذكورة قد فنَّدَ بعضَ ما قلتُه في مقالتي "جامعات وشعوذات"، ودافع ببسالةٍ عن فكرة الحديثِ عن الجنّ في دعوة عامةٍ وعارمة، في حرم الجامعة! متجاهلاً موضوع قيام الجامعة بمعرضٍ استمرّ 3 أيامٍ، وسبقته حملةٌ لتوزيع الحجاب والأثواب الهجينة بالمجان على طالبات الجامعة، وموضوع المعرض كان تصوراً إخوانياً سلفيّاً للمرأة وحجابها وسلوكها الخَضوع الذي فيه "تمشي على استحياء"! وهو على أية حالٍ لبُّ الدعوة الإخوانية في لجمِ المرأةِ وتشذيبِ "نتوءاتها المارقة" خوف الندّيّة في العلاقة و"المزاحمة" في سوق العمل، وحصولها على سائر حقوقها المغبونة. ولا يضيرُ استهجانُ هذا التنميط للمرأة أن "تمشي على استحياءٍ" أنَّ العبارة وردت في القرآن الكريم (سورة القصص: 25) في سياق قصة النبي موسى والتقائه ببنتي شُعَيْب عند ماء مدْيَن. فالقرآن يقص قصة نبيٍّ من أنبيائه، ولم يسبق الآية المشار إليها ولم يتلُها أي ذكرٍ لشرط مشي النساء في الأسواق. يعني أن "تمشي على استحياء" كشرطٍ إسلاميٍّ من شروط مشي المرأة في الفضاء العام، هي محضُ تزيُّدٍ ولغوٍ دَعَويٍّ، لإيهام المرأة الآن أن هذا الاستحياء إنما هو أمرٌ إلهيّ.
ولا يعني ذلك بحالٍ من الأحوال أننا ندعو النساء إلى مشية قلة الحياء، فالحياء (وهو ليس الخجل) خلةٌ إنسانيّةٌ يُدعى إليها النساءُ والرجال على السواء، ولها مواطنُ ومناسباتٌ تظهرُ فيه، وعندما يخلو السلوك الإنسانيُّ من الحياء، يكون هناك الفجور. أما المشيُ في الجامعة أو الشارعِ أو المؤسّسة أو العمل، فله شروطٌ يستوي فيها الرجل مع المرأة، بل أحياناً تجد المرأة نفسها أنها مطالَبةٌ بنوعٍ من الخشونة المتعمّدة حتى تبعدَ عنها دبابير التحرّش، وحتى تنأى بنفسها عن صفة الحلوى التي تغري الذباب والهوام الطائرة والدابّة على أربع (أي المتحرشين).. وهو سلوكٌ تعرفه كلُّ امرأةٍ تريدُ حماية نفسها في مجتمعٍ يتسامحُ مع المتحرّش.
وكان أحرى بالجامعةِ أن تخاطب الذكور الأشاوس، من لا يعتقون أنثى من قلة المروءة والتحرش بها، وأن تعلنَ عليهم عقوباتٍ شديدة، وتضعهم في برنامج تأهيلٍ لتقبّل المرأة في الجامعة والمجال العام دون أن تُستَفزَّ ذكورتهم ومزاجهم البريّ الوقح!!
الجامعات من صنع البشر، والبشر خطاؤون، لا عصمةَ لهم من سقوطٍ أو خطل!!
وعلى ذلك نعقد الأمل...!