تنظيم "جامعي" النفايات.. خطر قادم

محمود خطاطبة وصف «أكثر من رائع»، يُمكن إطلاقه على خُطوة أقدمت عليها جهات حُكومية، تتمثل بإيجاد مظلة، من شأنها تنظيم عمل «جامعي» أو «مُلتقطي» النفايات والمُخلفات، إلا أنه وكالعادة، تفتقر مثل تلك الخطوات أو المُبادرات أو الإجراءات، تحميهم بالأصل من امتهان هذه «المهنة» ومخاطرها، وإيجاد بدائل لها.. خصوصًا إذا ما علمنا أن هذه الفئة، مُعرضة للكثير من الأمراض والأوبئة، التي تتسبب فيها النفايات والمُخلفات، فضلًا عما تُشكله من مشاكل على الأمن المُجتمعي على الأمد البعيد. «الغد» نشرت تقريرًا للزميلة فرح عطيات، يتمحور حول توجه جهات حُكومية لإنشاء مظلة رسمية لمُلتقطي (جامعي) النفايات في المملكة، بُغية تنظيم عملهم بصورة قانونية، وصولًا لإصدار تعليمات خاصة بهذه الغاية، سبقها مُسودة أولية لورقة سياسات محلية أوصت بضرورة تنظيم عمل أولئك، وضرروة التعاون مع أمانة عمان الكُبرى لتنظيم عاملي هذا القطاع، وكذلك وزارة الصحة بهدف مُتابعة المخاطر الصحية لهذه «المهنة». عمل الجهات الحُكومية والمحلية وحتى الدولية، كان كريمًا جدًا في إنجاز دراسات ومسوحات حول «مُلتقطي» النفايات، إلى درجة أنها قامت بتحديد عددهم بالضبط، لا بل ووصفهم، إذ وصل عديدهم في عمان وإربد والزرقاء، إلى نحو 7 آلاف، أربعة آلاف منهم في العاصمة، بينما كان 22 بالمائة من أولئك جميعًا من اللاجئين السوريين، و7 بالمائة منهم من النساء، يتلوهن قُصر وأطفال.. لكن تلك الجهات، وبالذات الحُكومية، كانت شديدة الشح في عمل دراسات حول أزمات الفقر وأسبابه، وإذا وجدت فإن أحدثها يكون قد مر عليها بالأقل، أربعة إلى خمسة أعوام. يُبالغون في عقد ندوات وعمل استبيانات من أجل غاية، ظاهرها نبيل، لكن باطنها يحمل أكثر من علامة استفهام واستغراب، إلا أنهم يستكثرون التطرق، ولو من قبيل المُجاملة، على «انتهاكات» حق الإنسان في عمل بدون ظروف صحية مُناسبة. كما يغضون الطرف عن المنظر غير الحضاري، والسلوك غير الإنساني، الذي تلفظه كل الأعراف والتقاليد والقوانين، لفئة «تمتهن» جمع نفايات، لكنهم يُصرون على حصرهم عددًا، ويستطيعون ذلك بكل سهولة، بحجة أنهم ينوون تنظيم عملهم. يتناسون، عن تعمد، عن ذكر أو التطرق إلى الأسباب الرئيسة التي دفعت تلك الفئة، إلى الإقدام على خطوة، من أولها إلى آخرها، تشتمل على مخاطر، أقلها الإصابة بأمراض، من المؤكد تكلفة علاجها ستكون مُرتفعة جدًا، على خزينة الوطن. «مُلتقطو» المُخلفات حتمًا سيُصابون بأمراض تؤثر سلبًا على أجسادهم، التي باتت لا تقوى على شيء، سوى الدفع لخزينة الدولة، وبالتالي سينقلون الأوبئة إلى باقي أفراد أسرهم.. وللمُتابع أن يتخيل كيف سيكون أجساد هؤلاء في المُستقبل القريب. عملية التقاط النفايات، فضلًا عن أنها تُشكل مرتعًا للإصابة بأمراض خطيرة، إذا لم يُحسن التعامل معها، فإنها سبب رئيس لتشكيل أو تكوين بيئة جُرمية، سيتأثر بها الكثير من أبناء الوطن وكذلك المُقيمون على أراضيه.. نعم، بيئة جُرمية، إذ لا يخفى على الكثير بأن هُناك فئات من الأفراد، قد ترقى إلى «عصابات»، تُسيطر على جمع النفايات، بُغية تحقيق مكاسب مادية.. فهل تساءلت تلك الجهات، يومًا، كيف سيتم السيطرة على ذلك؟. تلك عملية، في الدول التي تحترم الإنسان، تكون من مسؤوليات ومهام شركات «تدوير» مُتخصصة.. ولو كان ذلك الهدف من عملية «التنظيم» المزعومة!، لكان أفضل لجميع الأطراف، وبالتالي نضمن الوصول إلى نتائج تعود بالنفع على الكُل.. «التنظيم» المزعوم، لعملية تؤكد انتفاء صفة العدالة في توفير فرص عمل، تؤشر إلى أن الوطن مُقبل على أمور قد لا تُحمد عُقباها. الأولى والأصح، هو الوقوف على ظروف أولئك «جامعي» النفايات، ومن ثم البحث عن حلول لتأمينهم بعمل يضمن لهم ولأفراد أسرهم، معيشية مُحترمة، يستطيعون معها التغلب على مشاكل الحياة، التي أصبحت صعبة على كثير من أبناء الوطن. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان