تنمية المحافظات.. هل من جديد؟

تطرح بين فينة وأخرى فكرة "تنمية المحافظات" كحل للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية، واستجابة للاحتياجات التنموية في المحافظات الفقيرة نسبيا عن المركز. وعادة ما يتزامن عودة هذا المفهوم مع زيارة أحد المسؤولين الكبار لإحدى المحافظات التي تعاني من تلك المشاكل، ولكن سرعان ما يختفي المفهوم أو يوضع على الرف بعد العودة إلى المركز.اضافة اعلان
إن فكرة تنمية المحافظات على أهميتها ليست جديدة، وكان قد طرحها جلالة الملك كمبادرة تنموية في العام 2002. وعادت الفكرة لتحتل مركز الصدارة مرة أخرى مع الحديث عن اللامركزية في المحافظات، والتي اختفت هي الأخرى من الساحة التنموية. وإذا كانت هناك دروس يمكن الاستفادة منها من التجارب السابقة، فلابد من الإشارة إلى بعض عناصر هذه التجارب.
فلقد تم إنشاء مجالس استشارية، وإنشاء وحدات تنموية للمحافظات من منطلق بناء القدرات التنموية فيها. كذلك، كان مطلوبا منها أن تحدد أولوياتها التنموية وترسلها إلى المركز من أجل رصد الميزانية المطلوبة، وعادة ما يتم رصد المبالغ المطلوبة لتلك المشاريع وتأخذ طريقها للتنفيذ.
وتماشيا مع هذه المبادرة، قامت بعض الجهات الدولية، كالاتحاد الأوروبي، بالعمل مع الحكومة والبلديات ضمن مشروع الحد من الفقر، بدعم العديد من المشاريع على مستوى المحافظات. وبالطبع، فهذه كلها جهود طيبة، ولكن كان أغلب تلك المشاريع يتركز في قطاعات خدمية أو مشاريع بنية تحتية. وعلى أهميتها، فإنها لن تكون قادرة على حل المشاكل التنموية الأساسية في تلك المحافظات والتي تتمثل في ضعف الأنشطة الاقتصادية المشغلة للعمالة والتي تحد من الفقر والبطالة والهجرة إلى خارج المحافظة.
إن حل هذه المشكلات يتطلب نظرة تنموية مختلفة، يكون هدفها الاقتصادي التنموي زيادة الاستثمار الحكومي والخاص في المحافظات، ويرتكز على مصادرها وإمكاناتها الطبيعية، وفي ذات الوقت يساهم في رفع القدرات البشرية لأبنائها. إن الهدف من هكذا تصور هو إحداث نقلة اقتصادية نوعية في مستوى التنمية لكل محافظة. وذلك غير ممكن تحقيقه باستخدام نفس الأدوات وطرق التفكير السابقة، وإنما من خلال العودة إلى التخطيط التنموي الشامل، أي من خلال إعداد خطة تنموية على مستوى الإقليم الواحد.
وحتى تتحقق فكرة التكامل بين المحافظات، لا بد للحكومة من أن تستثمر في بعض القطاعات، بالإضافة إلى ضرورة تحفيز القطاع الخاص الوطني بالاستثمار في المحافظات من خلال الحوافز التي يمكن أن تقدمها الحكومة للمستثمرين.
إن ذلك ليس دعوة للتخطيط المركزي، إلا أن التخطيط ليس مقتصرا على الدولة الشمولية، وإنما تلجأ إليه كل الدول باختلاف أنظمتها السياسية.
إن تنمية المحافظات أصبحت ضرورة وطنية، ولا بد من وجود طرق جديدة وخلاّقة، والتي لا تعجز عنها العقول الأردنية.