توتير الأجواء الداخلية: مخاطرة سياسية في ربع الساعة الأخير لمشوار الإصلاح

رغم أن الأنظار كانت تتجه هذا الأسبوع إلى ما سيتمخض عنه مطبخ الحكومة من مشروع قانون انتخاب، ينتظره الجميع للتأسيس لحياة سياسية ونيابية غير مشوهة؛ جاءت أحداث الدوار الرابع أول من أمس، وفض اعتصام الحراكات الشعبية بالقوة من قبل قوات الدرك، لتعيد خلط الأوراق، وتؤزم الأوضاع المحلية، وتتركها مفتوحة على أكثر من احتمال!اضافة اعلان
منحنى العلاقة بين الرسمي والحراك الشعبي الإصلاحي انحدر أول من أمس بصورة حادة، فيما كانت هذه العلاقة قد شهدت انحرافا "معياريا" باتجاه سياسة العصا والأمن الخشن إثر أحداث الطفيلة قبل نحو شهر، وتوقيف عدد من نشطاء حراكها بتهم إطالة اللسان.
هذا الانحدار في العلاقة يأتي بعد أكثر من عام من الحراك والمطالبات بالإصلاح عبر الشارع والفعاليات الشعبية. وهو عام مر، رغم بعض الأحداث والنتوءات في العلاقة وإدارة الأزمة رسميا، بصورة جيدة نسبيا، أثمرت تحقيق إصلاحات دستورية وسياسية وتشريعية وازنة، وتحققت فيها إنجازات لا بأس بها على مستوى مكافحة الفساد؛ فيما تميزت إدارة الأزمة رسميا بالحصافة والإيجابية بشكل عام، جنبت الأردن الدماء ومظاهر القمع والاعتقالات، وأبقت الحراك والربيع الأردني في سياق شعار إصلاح النظام.
قد لا يبدو مفهوما، عند النظر إلى مثل هذا الانحدار في إدارة الأزمة رسميا باتجاه سياسة الأمن الخشن مع الحراك ونشطائه، أن يأتي هذا التغيير والنهج الجديد في ربع الساعة الأخير من مسيرة الإصلاحات والمرحلة الانتقالية التي يفترض بها أن تتوج بانتخابات نيابية مبكرة وحقيقية قبل نهاية العام، وبما يؤسس لمرحلة سياسية جديدة، يتغير فيها وجه الأردن السياسي باتجاه دولة المؤسسات والديمقراطية والمواطنة وسيادة القانون.
ورغم الاعتراض العام على تطرف بعض الشعارات التي يرفعها بعض نشطاء الحراك والمعارضة "غير التقليدية"، وهي الشعارات التي يسوقها الجانب الرسمي في تبريره لاعتماد سياسة الأمن الخشن، والاعتقالات، والإحالة إلى محكمة أمن الدولة، فإن الاستناد إلى صدور مثل هذه الشعارات كمبرر للسياسة الجديدة هو أمر خاطئ من جهة، ومضلل أيضاً من جهة أخرى، لأنه يفترض ويسوّق أن الحالة العامة للحراك الشعبي والإصلاحي تجاوزت الخطوط الحمراء.
وهذا مضلل لأن النسق العام للحراك الشعبي، ولقواه السياسية والوطنية بعامة، لم يخرج عن سقف وشعار إصلاح النظام، والمطالبة بتحقيق إصلاحات دستورية وسياسية وتشريعية واقتصادية، وترسيخ دولة المؤسسات والمواطنة والشفافية، فيما يعد التمسك بالنظام وبشرعيته ثابتا عاما، لم يخرج عنه أحد أو حراك.
قد يكون مفهوما أو متوقعا أن يضيق صدر جهات رسمية بتواصل الحراك الشعبي رغم ما أنجز من إصلاحات دستورية وسياسية، وانحراف بعض الفعاليات القطاعية والمناطقية إلى أوضاع تطال هيبة الدولة والقانون ومصالح المجتمع، لكن غير المفهوم أو المقبول هو الإصرار الرسمي على تحميل الحراك الشعبي لشعار لم يحمله أو يدعو إليه يوما، واتهامه برفع سقف شعاره إلى المطالبة بإسقاط النظام، وذلك لتبرير السياسة والإدارة الرسمية الجديدة للصراع أو العلاقة مع "صداع" الحراك وفعالياته الشعبية!
كان مفترضا أن تبقى الأنظار منصبة على ما ستنجزه الحكومة، خلال أيام، من توافقات وطنية حول قانون الانتخاب. وهي خطوة سياسية مهمة، كان يمكن لها أن تزيد من حالة الرضا العامة عن إنجازات المسيرة الإصلاحية، وتعزيز الثقة الشعبية بالإرادة السياسية للدولة، وبإصرارها على مواصلة مشوار الإصلاح والانطلاق بثقة إلى آفاق المرحلة المقبلة، إلا أن أحداث الدوار الرابع، والتوسع في حملة الاعتقالات والتوقيفات لنشطاء الحراك، بل وتسجيل حالات من الإفراط في استخدام القوة والضرب لهؤلاء النشطاء، أعاد خلط الأوراق، وينذر -للأسف- بتداعيات تضرب ما تحقق من إنجازات.
ليس مبررا التطرف في بعض الشعارات، أو خروج أي ناشط أو حراك أو فئة عما توافق عليه الأردنيون منذ عقود، ولم تغيره كثابت رياح الربيع العربي، ونقصد به التمسك بالنظام وبشرعيته، وبثابت العرش كمرجع ورمز للأردنيين ودولتهم. وليس من المبالغة القول إن رفض مثل هذا التطرف هو ثابت مجمع عليه لدى الحراكات والقوى السياسية والوطنية المختلفة.
لم تفت الفرصة بعد للعودة إلى النهج السابق للإدارة الرسمية مع الحراك والفعاليات الشعبية، خاصة وأن ربع الساعة الأخير لشوط الإصلاح لا يحتمل تجريب سياسة وإدارة جديدتين، قد لا تحمد عقباهما.