توسيع المكون الاجتماعي للاقتصاد الأردني

في ظل الأزمات الاقتصادية تتجه الأنظار الى السياسات التي تحرك الاقتصادات الوطنية، وفيما إذا كانت هذه السياسات حافظت على استقرار المجتمع، من حيث قدرة الدولة على احترام وتوفير الحقوق الانسانية الأساسية والحمايات الاجتماعية اللازمة لمواطنيها، وتحول دون وقوعهم في الفقر؟اضافة اعلان
وهذا يدفعنا للتفكير في الكيفية التي نستطيع في الأردن مواجهة التحديات القديمة والجديدة التي يواجهها اقتصادنا الوطني، والحفاظ على استقراره، خاصة وأن هذا الاقتصاد لا يستطيع الاستمرار دون المساعدات الخارجية بمختلف أنواعها.
هذا وقت مراجعة السياسات التي تحرك الاقتصاد الأردني بمختلف مكوناته، حيث الأولوية بناء اقتصاد مستدام ومستقر وعادل، ليس فقط بسبب الأضرار التي تعرض لها الاقتصاد جراء جائحة "كورونا المستجد"، بل لأن العديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية مثل التعليم والصحة أصبحت تخضع وبشكل متنامي لسيطرة القطاع الخاص، على حساب اضعاف جودتهما في القطاع العام.
التجربة العالمية في الدول المتقدمة التي تتمتع اقتصاداتها بأوضاع أفضل منا، أثبتت نجاعة السياسات الاقتصادية ذات المضمون الاجتماعي، سواء من حيث توفير الحمايات الاجتماعية لأكبر قطاع ممكن من مواطنيها، أو من حيث قدرتها على الخروج من الأزمات التي تواجهها.
يفترض أن التغييرات في السياسات الاقتصادية أن لا يثير قلق الكثيرين، ولكنه بالتأكيد سيثير قلق من يعتقدون أن مصالحهم سوف تتضرر، الا أن مراجعة علمية دقيقة وهادئة، كفيلة بتهدئة روع الجميع، لأن استقرار الاقتصاد وتعزيز قدراته وتوسيع الحمايات الاجتماعية يخدم مصالح الجميع.
توسيع أدوار المؤسسات الاقتصادية ذات الطابع الاجتماعي بمختلف أنواعها ضرورة ملحة للمساهمة في الخروج من أزمة التفاوت الاجتماعي العميق الذي نعاني منه في الأردن، لأن ارتفاع معدلات البطالة واتساع رقعة الفقراء من شأنه الاضرار بمصالح مختلف مكونات الدولة بمن فيهم الطبقات الاجتماعية العليا.
وعندما نتحدث عن المؤسسات الاقتصادية ذات الطابع الاجتماعي، فإننا نتطلع الى زيادة أدوار التعاونيات التي كانت تحتل مكانة كبير في الاقتصاد الوطني خلال العقود الماضية، الا أنها تراجعت بشكل ملفت لصالح أدوار القطاع الخاص.
وبالمناسبة، فإن التعاونيات الى جانب الشركات الاجتماعية – التي تهدف الى الربح و/ أو لا تهدف الى الربح - تلعب أدوارا مركزية في اقتصادات غالبية الدول الكبرى، ولا تقتصر أدوارها على القطاعات الصغيرة والمتوسطة، لا بل تعمل في مجالات إنتاجية وخدمية كبيرة لا بل ضخمة.
توسيع المكون الاجتماعي في الاقتصاد الأردني ضرورة أساسية ليس فقط للحفاظ على استقراره وزيادة الاعتماد على الذات، بل ضرورة للخروج من أزمتنا الاقتصادية الاجتماعية المركبة، فمن غير المقبول بعد الاستمرار في العمل وفق فرضية أن القطاع الخاص هو من يقود الاقتصاد الوطني.
توليد فرص كافية ولائقة للأعداد الكبيرة من المتعطلين عن العمل بحاجة الى هذا النوع من المؤسسات الاقتصادية الاجتماعية، حيث لا تكون زيادة الأرباح أولويتها، بل توسع نطاقات أعمالها. ومن المفيد الإشارة في هذا المجال ووفقا للدراسات المسحية، أن مؤسسات المجتمع المدني المختلفة كانت الأقل استغناء عن عامليها، والأقل تخفيضا لأجور العاملين فيها مقارنة مع القطاع الخاص خلال الأشهر الماضية، مع أن أوامر الدفاع تسمح لها بذلك.
ان زيادة المكون الاجتماعي في الاقتصاد الوطني يتطلب تحفيز مؤسسات الأعمال التي تندرج في اطاره يتطلب دعم الجمعيات التعاونية والشركات غير الربحية والجمعيات المتنوعة على التوسع في أعمالها، وهذا يتطلب إزالة العديد من القيود التي تواجهها سواء في استقلالية عملها أو في تمويلها، ويتطلب كذلك ادخال مفهوم الشركات الاجتماعية الى قانون الشركات لتشجيع تأسيسها وتنظيم أعمالها.