توصية نيابية لإنقاذ صحف ورقية

رئيس الوزراء عبدالله النسور ومشاورة مع وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني خلال الجلسة أمس -(تصوير: أمجد الطويل)
رئيس الوزراء عبدالله النسور ومشاورة مع وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني خلال الجلسة أمس -(تصوير: أمجد الطويل)

جهاد المنسي

عمان - أوصى مجلس النواب بإعادة هيكلة كل من الزميلتين صحيفتي "الرأي" و"الدستور" لإنقاذهما من أزمتهما المالية، كما وافق على تقرير وتوصيات لجنة التوجيه الوطني والإعلام النيابية في هذا الشأن، فيما أكدت الحكومة على لسان ناطقها الرسمي وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني ترحيبها بالتشاركية ومناقشة ما جاء في التوصيات "بكل روح منفتحة"، و"عدم تدخلها في السياسات التحريرية  للصحف أو في التعيينات".
جاء ذلك في جلسة المناقشة العامة التي عقدها مجلس النواب صباح أمس وخصصت لمناقشة أزمة صحيفتي الرأي والدستور المالية.
واستمع النواب في بداية الجلسة، التي ترأسها رئيس المجلس عاطف الطراونة، بحضور رئيس الوزراء عبدالله النسور وهيئة الحكومة، لتقرير لجنة التوجيه الوطني والإعلام الذي ألقاه رئيس اللجنة النائب زكريا الشيخ ومقررها النائب هايل ودعان الدعجة.
وجاء في تقرير اللجنة عدد من التوصيات أبرزها "تشكيل لجنة متابعة من الأطراف ذات العلاقة لتنفيذ التوصيات الواردة في التقرير، واعتماد لغة الحوار والقانون، وحل النزاعات العمالية بين مجالس إدارة الشركتين والعاملين فيها من أعضاء نقابة الصحفيين والأقسام الأخرى، دون التأثير السلبي على إيراداتها وانسيابية العمل فيها، ومساندة مجالس إدارة الصحف على إجراء إعادة هيكلة عادلة تحافظ على مكتسبات الأعضاء ومصلحة الصحف المالية والإدارية".
وطالب النواب في مداخلاتهم خلال الجلسة التي حضرها جمع من الصحفيين الحكومة بالإسراع في إيجاد حلول جذرية للصحف الورقية، خاصة ما تعانيه صحيفة الدستور وبوادر أزمة لدى صحيفة الرأي، من خلال الهيكلة ومنع التعيينات وضبط النفقات ورفع أثمان الإعلانات الحكومية، وإعفاء مدخلات الإنتاج، مشيرين إلى الدور التاريخي لتلك الصحف في توجيه الرأي العام نحو قضايا الوطن.
وأكد الوزير المومني في مداخلة له أن الحكومة "لم ولن تتغول على السياسات التحريرية للصحف، إذ إنها تتعامل بروحية الإعلام المستقل إيمانا منها بأن الصحافة سلطة مستقلة تراقب اعمال وسياسات الحكومة"، مشيرا إلى أن الحكومة "لم تطلب ومنذ 30 شهرا تعيين أي شخص في أي من الصحف اليومية، وستقوم الحكومة بدورها لمساعدة الصحف الورقية لتضطلع بدورها وذلك من خلال التشارك في الجهود والآراء مع بعض الجهات الأخرى ذات العلاقة".
وزير العمل الدكتور نضال القطامين، أشار في مداخلة له إلى أن "الشركة الأردنية للصحافة والنشر (الدستور) غير ملتزمة بدفع أجور ورواتب موظفيها منذ عدة شهور"، مشيرا إلى أن "المخالفات التي أوقعت على تلك الشركة بلغت 130 مخالفة خلال العام 2014 ، حيث يستلزم الوضع من صاحب العمل ازالة تلك المخالفات، وإلا سيصار إلى إغلاق تلك الشركة في حال استمرت المخالفات".
ودعا تقرير اللجنة المساهمين الرئيسيين في الصحيفتين إلى "عدم التنصل من المسؤولية القانونية والأخلاقية والمالية والمهنية تجاه الصحيفتين وابتكار الأفكار الإبداعية لإنقاذهما، والحفاظ على المال العام، والتوقف عن ظاهرة "صراع الكراسي"، وضرورة تعيين ممثلين عن المساهمين من أعضاء مجلس الإدارة من أصحاب الكفاءة والدراية المهنية والفنية في إدارة المنتج الصحفي وإدارة المطابع".
وطالب التقرير مؤسسة الضمان الاجتماعي (صندوق الاستثمار) ونقابة المهندسين (صندوق التقاعد وصندوق التأمين الاجتماعي)، كونهما بيوت خبرة في مجال الاستثمار، بإعداد خطة استثمارية لمدة 3 أعوام قابلة للتنفيذ لإنقاذ الشركتين، ورفع رأسمالهما بناء على الخطة الاستثمارية والجدوى الاقتصادية لتوفير سيولة مالية تخرج الصحيفة من أزمتها المالية الخانقة.
وأوصى "بإحياء فكرة التوزيع الموحد والإعلان الموحد لصحيفتي الرأي والدستور وأي صحيفة أخرى ترغب المشاركة لتخفيض النفقات، وعدم التدخل في الخط التحريري للصحيفة، وبناء علاقة تكاملية ومهنية مع رئاسة التحرير وإدارات التحرير المختلفة بعيدا عن التشاحن والتوتر".
كما أوصى "بالمساعدة في التواصل مع أصحاب الديون لجدولتها دون فوائد، وخاصة المبالغ المترتبة للضمان الاجتماعي والبالغة (2.5) مليون دينار دون غرامات مالية، وتكثيف الإعلانات التجارية من قبل الشركات التي يملكها المساهمون في الشركة، وخاصة الضمان الاجتماعي ونقابة المهندسين والبنك العربي، والبنك الإسلامي الأردني، وبنك كابيتال وغيرها".
وانتقدت اللجنة نقابة الصحفيين قائلة إن "اقتطاع نسبة الـ1 % من إيرادات إعلانات الصحف وتوريدها لصندوق النقابة يعتبر عبئا ماليا إضافيا، ورصدت اللجنة قيام نقابة الصحفيين برفع قضية لملاحقة صحيفة الدستور قضائيا لتحصيل الاقتطاعات من إيرادات الإعلانات، ما أسهم في زيادة التعقيدات والعقبات التي تواجهها الصحيفة".
وقالت اللجنة في تقريرها إن "دعم النقابة ومشاركتها في اعتصامات وبناء خيام والدعوة للتوقف عن العمل أمام مقرات الصحف في حال قررت إداراتها اتخاذ قرارات تصحيحية، مثل إجراء إعادة هيكلة لإنقاذ تلك الصحف من الانهيار، ومنع الإدارات من الاستمرار في قراراتها، يحد من قدرة تلك الإدارات على إدارة الصحيفة، وبالتالي الاستمرار بتدهورها وصولا إلى انهيارها".
وقالت اللجنة إن الصحافة الورقية اليومية في الأردن تواجه "أزمة عميقة" تتمثل بتحديات مالية وإدارية وتسويقية وتشغيلية جسام، انعكست سلبا على كوادرها الصحفية والإعلامية والإدارية والفنية، وأثرت بالتالي على منتجها الإعلامي ورسالتها الخالدة، منذرة بمستقبل مجهول وتحد لاستمرارية صدورها.
واجتمعت اللجنة بكبار المستثمرين في صحيفة الدستور ممثلين بمؤسسة الضمان الاجتماعي المالكة لـ30 % من أسهم الشركة: ومثلها مدير عام المؤسسة ناديا الروابدة، ورئيس صندوق الاستثمار في المؤسسة د.سليمان الحافظ، وبنقابة المهندسين المالكة لـ16.8 % من أسهم الشركة، ومثلها مدير صندوق الاستثمار في النقابة.
وأشار التقرير الى أن "أزمة الصحافة الورقية "ظاهرة لم تقتصر على الأردن فقط، ولكن تأثرت بها العديد من صحف العالم خلال السنوات الأخيرة مع تطور الإنترنت وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الإلكتروني، إلى جانب الاتصال الفضائي الهائل، إلا أن الدراسات الصادرة لعام 2014 أشارت إلى أن الصحافة الورقية بدأت تستعيد عافيتها، نظرا لضعف عنصر المهنية والمصداقية لدى عدد من وسائل الإعلام الحديث وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي".
وأضاف: "وبرزت الحاجة لكي تبقى الصحافة الورقية اليومية هي المرجعية ومصدر الخبر الذي يحتل درجة ثقة عالية لوسائل الإعلام الأخرى كون أغلبية الصحف اليومية تدار من قبل مؤسسات تحظى بالاحترام لمراعاتها مبادئ ومعايير المهنية والموضوعية والشفافية والحيادية الإيجابية، وتحترم عقل القارئ وتعتني بتوثيق مصادر أخبارها، وتبتعد عن سياسة اغتيال الشخصيات والابتزاز التي تمارسها بعض الصحف الصفراء أو بعض الصحافة الإلكترونية وغيرها من إعلام مرئي ومسموع".
وقالت اللجنة في تقريرها إن الصحافة الورقية اليومية "مشاريع وطنية وليست مجرد شركات ربحية، وإن جوهر المشكلة يتمحور في عدم اعتراف الدولة الأردنية والحكومات المتعاقبة بمسؤوليتها الأخلاقية تجاه الصحافة اليومية الورقية، وخاصة صحيفتي الرأي والدستور، فعلى الرغم من أنهما مملوكتان لشركات مساهمة عامة تمتلك الدولة فيهما من خلال الضمان الاجتماعي أكبر الأسهم (الرأي
57 % والدستور 30 %) وبالتالي فإن من مسؤولية الحكومة (السلطة التنفيذية للدولة) والضامنة لأموال الضمان، المحافظة على المال العام المستثمر بهاتين الشركتين".
ودعت الحكومة إلى "ضمان استمرارية الصحف الورقية من خلال تحمل مسؤوليتها الأخلاقية تجاهها وخاصة (الرأي والدستور) كون مساهميهما الرئيسيين من جهات ذات منفعة عامة، وذلك تقديرا للدور الوطني الذي تقوم به الصحف اليومية الورقية في تغطية الخبر الرسمي، وخوض معارك الوطن الإعلامية بالنيابة عن الدولة، وأن تتبنى الحكومة ضمن استراتيجيتها الإعلامية، سياسة حكومية واضحة لدعم قطاع صناعة الإعلام بهدف التقليل من كلفته التشغيلية، للنهوض بهذا القطاع والتقليل من خطورة انهياره، وذلك على غرار تعامل الحكومة مع الأحزاب الأردنية التي تحظى بدعم مالي مباشر بقيمة ( 50 ألف دينار سنويا لكل حزب مرخص) بهدف تنمية الحياة السياسية الحزبية في الأردن".
وأشارت اللجنة الى انها "لا تدعو الحكومة لدعم مالي حكومي مباشر للصحف"، مقترحة إنشاء "صندوق إنقاذ وطني لدعم الصحافة الورقية" تكون الحكومة والقطاع الخاص جزءا منه ضمن ضوابط تكفل عدم تدخل حكومي في إدارة المنتج الإعلامي، وذلك من أجل توفير سيولة نقدية عاجلة لمواجهة المتطلبات المالية الآنية والضرورية وخاصة رواتب العاملين.
كما أشارت إلى أن مدونة السلوك الحكومية "جزء من الأزمة وليست جزءا من الحل"، داعية الى إلغاء مدونة السلوك الحكومي في التعامل مع الصحافة الورقية اليومية، خاصة البندين 3 و 4 منها، والعودة إلى النظام السابق بتعزيز ورفع أعداد الاشتراكات بدلا من حصرها بالاشتراك المباشر وربطها بكشوفات توافق عليها رئاسة الوزراء".
واقترحت اللجنة "تعديل قيمة الإعلان الحكومي والذي ما زال بنفس السعر القائم منذ العام 1973، أي منذ اكثر من أربعين عاماً (6.5) قرش للكلمة، وعدلت العام 2014 إلى (10) قروش، بينما ارتفعت الكلف عشرات المرات منذ ذلك الحين، ونقترح اعتماد السعر التجاري القائم حالياً مع إعطاء الإعلان الحكومي نسبة خصم 50 %، أو تغيير طريقة احتساب الإعلان الحكومي من الكلمة إلى السنتميتر، وتوزيع الاشتراكات والإعلانات على الصحف بصورة عادلة بنسب متوازنة تعتمد على حجم التوزيع وموازنة الصحيفة وعدد العاملين فيها وتثبيت هذه النسب، ويعاد النظر بها مطلع كل عام".
وأشارت اللجنة في تقريرها إلى أن الواسطة والمحسوبية والتعيينات العشوائية لغايات التنفيع وبرواتب خيالية والتي رصدت خاصة في صحيفتي الرأي والدستور بتدخل أو برغبة حكومية مباشرة أو غير مباشرة، نتج عنها تحميل موازنات الصحف أعباء مالية إضافية وحمولة زائدة تثقل كاهلها وتفاقم من عجزها، ما يحد من قدرة الإدارة على تحمل مسؤولياتها لإدارة الأزمة واتخاذ القرارات المناسبة، وضمان إدارة رشيدة ومتقشفة وشفافة وكفؤة للمؤسسة الصحفية".
كما دعت إلى "كف يد الحكومة عن التدخل في أي واسطات مباشرة أو غير مباشرة في التعيينات بكافة الأقسام، وذلك لتمكين إدارتي الصحيفتين من تنفيذ إعادة الهيكلة للتخلص من الحمولات الزائدة".  
وأوصت اللجنة "بإعفاء أو بالحد الأدنى تجميد جميع الضرائب والرسوم الجمركية المفروضة على مدخلات إنتاج الصحف لمدة عامين قابلة للتمديد، بالإضافة إلى تأجيل مطالبة الصحف بضريبة المبيعات (16 %) ولمدة عامين متتاليين دون ترتب غرامات على ذلك كفترة تستطيع خلالها الصحف تجاوز أزمتها، وإعادة النظر بتعرفة الكهرباء لماكنات الإنتاج (المطابع)".
وأوصت "بإنشاء لجنة شكاوى في هيئة الإعلام للنظر في المخالفات والسلوكيات التي تمارسها بعض الصحف ورصد تلك المخالفات التي تنتهك بنود قانون حماية الإنتاج الوطني ومكافحة الإغراق ووضع عقوبات رادعة لذلك".
ورأت اللجنة في تقريرها أن مجالس إدارات صحف (الدستور والرأي) خاصة، وجهازها التنفيذي (الإداري والمالي) يقع عليه العبء الأكبر والمسؤولية الرئيسة في إنقاذها ومواجهة الأزمة حفاظا على أموال المستثمرين فيها كونها شركات مساهمة عامة، وبالتالي يجب تعيين الإدارة المؤهلة والمتخصصة التي لديها الدراية والخبرة الفنية في إدارة الشركات الصحفية وخاصة المطابع التجارية، بعيدا عن المحسوبية، وتحميلها المسؤولية تحت الرقابة وضمان إدارة رشيدة ومتقشفة وكفؤة".
وشددت على أن إعادة الهيكلة "تعتبر حاجة ملحة وضرورية ويجب أن تمنح الأولوية القصوى في الإصلاح الإداري من خلال، ضبط العمالة الزائدة، ورفع كفاءة العاملين".
واشارت إلى مفهوم الهيكلة الذي تتحدث عنه "لا يستهدف قطع أرزاق العاملين والموظفين، وإنما إلى التخلص من الحمولة الزائدة الناتجة عن ازدواجية العمل في مؤسسات الإعلام الرسمية والصحف الورقية، أو من أي جهات أخرى، وإحالة الذين استحقوا راتب الضمان الاجتماعي إلى التقاعد (الشيخوخة)، واعتماد  مبدأ الهيكلة الإدارية الاختيارية (الاستقالات الاختيارية) وفق نظام حوافز لمن بلغ سن التقاعد المبكر أو من يرغب بترك العمل وبكل عدالة ووضوح وشفافية".
وتحدث خلال الجلسة عدد من النواب قدموا في مداخلاتهم عددا من المقترحات للخروج من أزمة الصحيفتين.

اضافة اعلان

[email protected]