توصيف دقيق.. لكنه مرعب!

لا بد أن نعترف، ابتداءً، بأنّ وزير المالية أميّة طوقان (في مقابلة "الغد" أول من أمس)، نجح بامتياز في إثارة مخاوفنا على وضع الاقتصاد الوطني، وعلى استقرار الدينار والوضع المالي عموماً.اضافة اعلان
طوقان وضعنا أمام "معادلة" جليّة بالأرقام والمعطيات الواقعية: إمّا أن تتخذ الحكومة قرارات جريئة برفع الدعم عن سلع أساسية (باستثناء الغاز والخبر؛ اللذين اعتبرهما الوزير خطاً أحمر) وترفع تسعيرة خدمات أساسية (الماء والكهرباء)، أو نصل إلى وضع شبيه باليونان، ونسمح بانهيار الاقتصاد، لأننا خائفون من الكلفة السياسية والشعبية لمثل هذه القرارات!
وعد طوقان، في حديثه، بأن يتم تعويض الفئات الدنيا والوسطى عن هذا الدعم، مع وعود مماثلة بتخفيض الإنفاق الحكومي وإعادة النظر في سياسات الإعفاءات التي حرمت الخزينة من مئات الملايين، وبإعادة النظر في رسوم التعدين، وبقانون الضريبة وغيرها من إجراءات للتأكيد على أنّ السياسات الجديدة ستشمل الحكومة والشعب على السواء.
ما قدّمه الوزير بلغة علمية موثّقة ليس حججاً جديدة، فهو قرار مؤجّل منذ عامين، أي في عهد حكومة سمير الرفاعي 2010، ثم حكومة معروف البخيت، ولم تستطع أيّ منهما اتخاذه، خشيةً من انعكاساته السلبية، برغم حملات التمهيد التي كانت تتم دوماً، ثم تتراجع الحكومة بعد التقاط ردود الفعل السلبية على تلك التسريبات. لا جديد على الوضع السياسي، بل لا نبالغ إن قلنا إنّ الأمور أكثر حساسية اليوم، مع مناخات الربيع العربي وزيادة الضغوط الاقتصادية اليومية على المواطنين، فكل هذه الوقائع تخلق حالة أكثر صعوبة لتمرير مثل هذه القرارات.
في المقابل؛ يؤكّد المسؤولون أنّ تأجيل هذا الاستحقاق لم يعد ممكناً، إذ إنّ الوضع الاقتصادي أصبح بالفعل مهدّداً على حافة الكارثة (وفقاً لوصف طوقان). والأخطر من ذلك، وفقاً لمسؤول كبير في الدولة، هو الجانب المعنوي والرمزي، في حال بدأت الأقاويل والدعايات السوداء حول استقرار الدينار تنتشر، وأدت إلى تفكير شرائح واسعة بحلول فردية، ستكون هي –لا سمح الله- معول الهدم الحقيقي للاقتصاد الوطني.
نحن أمام معضلة حقيقية، تتمثّل في أنّ الحكومة مضطرة ومرغمة على رفع الدعم وإعادة تعريف أسعار الخدمات في أقرب وقت "حماية للموازنة" والاقتصاد. في المقابل، هنالك مناخ سياسي متفجّر ومحتقن وقوى اجتماعية تدفع باتجاه معاكس نحو تحسين أوضاعها الاقتصادية من خلال الموازنة، بعدما تحوّل مشروع إعادة الهيكلة من "إنجاز" إلى أزمة جديدة بحد ذاته، لدى شرائح اجتماعية واسعة.
ما الحل، إذن؟..
يمنحنا "الموعد" (أي شهر نيسان) الذي تتحدث عنه الحكومة، عدة أسابيع لطرح الموضوع سياسياً وإعلامياً للحوار العام. والمطلوب أن يكون هنالك توافق وطني على الخطوات المقترحة لإنقاذ الاقتصاد الوطني، وفي الوقت نفسه طمأنة الشرائح الاجتماعية العريضة من عدم تحميلها أعباءً جديدة لا تقدر عليها.
إلى اليوم، تبدو المشكلة الحقيقية أمام الحكومة في عدم وضوح الآليات والإجراءات التي ستقوم بها لحماية الطبقات الواسعة؛ فالمبلغ المطروح (50 مليون دينار) لا يكفي بالتأكيد. والتفكير الحكومي معني اليوم بوضع "حزمة" متكاملة تشمل إعادة النظر في الضرائب لتحقيق قدر أكبر من العدالة، وقانون العمل (حقوق العمال والحد الأدنى للأجور)، وهيكلة سوق العمل (مئات الآلاف من العمال الوافدين!)، ومعالجة حقيقية جادة للتهرب الضريبي، و"إعادة هيكلة النفقات" في الموازنة، وهي مثار نقاش مبطّن وحاد لدى أغلبية المواطنين اليوم.
اتخاذ خطوات على هذا الصعيد يتطلب إشراك المعارضة والقوى السياسية المختلفة لتقديم خطة إنقاذ وطنية، كما يحصل في أغلب دول العالم اليوم.