توظيف فائض السيولة في إصدار الصكوك أم اقتناؤه؟

في الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن ارتفاع معدلات السيولة في المصارف الإسلامية وبنسب أعلى من معدلات السيولة في مثيلاتها من البنوك التقليدية؛ لحد اعتبار موضوع السيولة من أهم التحديات التي تواجه المصارف الإسلامية في أيامنا هذه بسبب مبررات عدة منها عدم الرغبة في استثمارات طويلة الأجل أو التركيز على استثمارات قصيرة الأجل كون المخاطرة فيها قليلة ثم العائد أي الربح شبه مضمون، كذلك الاستفادة من سرعة استعادة الأموال التي تدخل في مثل هذه الاستثمارات مثل المرابحة والإجارة وبعض العقود سريعة العائد وما شابه ذلك.اضافة اعلان
والمبرر الآخر هو عدم قدرة هذه المصارف على اللجوء للبنك المركزي كمقرض أخير عند حاجتها إلى السيولة بسبب سعر الفائدة الذي يفرضه البنك المركزي، ومما لا شك فيه أن هذا يؤثر على معدل الربحية وكذلك على أصحاب الودائع الاستثمارية الذين ينتظرون العائد على كامل وديعتهم.
وإذا كنا قد نعذرها؛ أي المصارف الإسلامية، في هذا الجانب لتجنبها التعامل في سعر الفائدة، إلا أننا نرى أن توظيف الفائض من السيولة يجب أن يتجه كذلك إلى الاستثمار متوسط وطويل الأجل مثل الاستثمار في الصناديق الاستثمارية الإسلامية والصكوك الإسلامية؛ حيث تعد هذه الأخيرة من الموجودات شبه السائلة في الوقت الذي أصبحت فيه اليوم الأدوات الاستثمارية الإسلامية متنوعة وقد قطعت شوطا مهما في هذا الاتجاه، ومن المنطقي أن تسعى الى والبحث عن وسائل آمنة لفائض السيولة لديها حتى لا تفقد مبرر الاحتفاظ به، وقد أشرنا في البعض من مقالاتنا الى أهمية هذا التوظيف الآمن ومنها الصكوك الإسلامية، على أن لا تكون هذه الصكوك كمصدر خارجي لرأسمال إضافي للبنك وتُضيع الفرصة على المؤسسات الوطنية الأخرى التي هي بحاجة الى التمويل وهي الأولى بإصدار الصكوك؛ أي الوصول الى منبع مصادرها الخارجية، ومن الأهمية التنويه الى أن فرصة المصارف الإسلامية ستكون الأفضل في حال حصول هذه المؤسسات على بعض من حاجاتها من التمويل من إصدارها للصكوك الإسلامية حيث ستعود عليهم على شكل ودائع يمكن التصرف بها، لهذا فإننا نرى أنه من المفيد أن لا نلجأ الى عملية الإصدار، وأن بإمكانها تقديم أفضل خدمة للاقتصاد الوطني عن طريق اقتناء هذه الصكوك وليس إصدارها.
إذن لا بد من وجود إدارة للسيولة ملتزمة وفعالة والتي يجب أن تترافق مع العمل على التطوير الإداري القادر على الابتكار والتجديد والتطوير وإيجاد المنافذ المالية لتوظيف فائض السيولة وكذلك توفير مستوى عال من الشفافية والإفصاح عن المعلومات والبيانات المتعلقة في المصرف.
كما أننا ننبه إلى الشق الآخر من السيولة والمتمثل في نقص السيولة، فقد يكون له كذلك أثر في إعاقة عمل المصرف عندما يحتفظ بأصول ليس من السهولة تحويلها إلى سيولة وقت الطلب، مع العلم أن المصرف لا يمكنه اللجوء إلى البنك المركزي كمسعف (مقرض) أخير.
ففي الوقت الذي نناقش فيه هذا التحدي، فإننا نرى أن على المصارف الإسلامية أن تلتفت إلى أهمية التوسع الخارجي أي خارج مجتمعاتنا الإسلامية وأن تنجز شبكة من العلاقات المصرفية التي تتيح لها إيجاد نوافذ استثمارية جديدة لتوظيف السيولة التي لديها وأن تعمل على وضع أسس منطقية ومقبولة لتأسيس سوق مالي إسلامي يوظف فيه الفائض من السيولة لديها، أن الوقت الآن مناسب لأن تأخذ المصارف الإسلامية مكانها المتقدم في السوق المصرفية العالمية وأن تضع الاستراتيجيات المنافسة في هذا السوق، علما بأن الأزمة المالية العالمية ما تزال تلقي بظلالها على أغلب دول العالم وخاصة المتقدمة منها.
وعلى الصعيد المحلي ضرورة الاهتمام بتقديم الدعم المناسب للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، لذلك فإننا نرى أنه من الضروري وضع استراتيجية تتفق عليها المصارف الإسلامية لإدارة السيولة والتعامل مع الصكوك الاسلامية من حيث جهات الإصدار أو الاقتناء، بما يخدم هذه الصناعة الرائدة.
* خبير في التمويل الإسلامي