توقعات ‘‘ستراتفور‘‘ للربع الثاني من 2018 - (2-1): الاتجاهات العالمية

تنافس القوى العظمى على النفوذ يحدد الاتجاهات العالمية لهذا الربع من العام  -(أرشيفية)
تنافس القوى العظمى على النفوذ يحدد الاتجاهات العالمية لهذا الربع من العام -(أرشيفية)

 ترجمة: علاء الدين أبو زينة

تقرير – (ستراتفور) 8/3/2018

في عالم اليوم، تصبح الدول أكثر ترابطاً باطراد عن طريق الجو والبر والبحر والمجال السيبراني. وبينما جلبت العولمة البلدان والقارات أقرب إلى بعضها بعضا، أصبحت حدود الخرائط وحواجز الجغرافيا بالية ببعض الطرق. والآن، أصبح من الأسهل أن تكون للأحداث في إحدى المناطق تداعيات في أخرى -بل إن التداعيات قد تظهر في بعض الأحيان في جميع أنحاء العالم. وفيما يلي، يستكشف مركز التنبؤات الاستراتيجية (ستراتفور) تلك الأحداث التي لها أكبر الأثر على اتخاذ القرارات الدولية خلال فترة التوقعات أدناه:

اضافة اعلان

أبرز الاتجاهات:

البيت الأبيض ينقض على العالم: سوف يقف البيت الأبيض في مواجهة قوانين الولايات المتحدة والمبادئ المركزية لمنظمة التجارة العالمية بينما يشن هجوماً تجارياً عالمياً باسم الأمن القومي. وسوف ترتفع تكاليف الإنتاج في الولايات المتحدة كنتيجة لذلك، وسوف تستهدف الدول القطاعات الأميركية الحساسة سياسياً كرد فعل انتقامي.

التجارة، التكنولوجيا وتايوان: سوف تتصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين، على نحو يعرض الشركات العالقة في النزاع للخطر. وبينما يستهدف البيت الأبيض التجارة والاستثمار الصينيين بسياساته الحمائية، سوف يثير الكونغرس حفيظة بكين من خلال رفع مستوى العلاقات مع تايوان.

سباق نحو الحدود القصوى: بينما تحوِّل الولايات المتحدة انتباهها نحو منافستها مع الصين وروسيا، سوف يدفع السباق نحو تطوير تقنية الأسلحة الاعتراضية بين القوى العظمى نحو المزيد من تدهور معاهدات الحد من الأسلحة في العالم. وسوف تقوم بكين بتوجيه أموال الدولة نحو أبحاث الذكاء الاصطناعي على أمل اللحاق بخصمها الأميركي، في الوقت الذي يصارع فيه الغرب للتغلب على المخاوف بشأن مكافحة الاحتكار وخصوصية البيانات.

المشكلة العنيدة، الانتشار النووي: بالبناء على الانفراج الوجيز، سوف تحاول كوريا الجنوبية إقناع الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بالتوفيق بين مواقفهما الأكثر عناداً حول قضية نزع السلاح النووي. وفي الأثناء، سوف تعتمد إيران على دعم أوروبا لإبقاء اتفاقها النووي حيّاً، بينما تستخدم السعودية الاتفاق نفسه للتفاوض على إنشاء برنامجها النووي المدني الخاص.

القتال من أجل مستقبل أوروبا: برئاسة ألمانيا منقسمة، وفرنسا جريئة، سوف يكشف النقاش الدائر حول إصلاح منطقة اليورو عن الانقسامات الأعمق التي تهدد وحدة القارة، بينما تبدو إيطاليا مستعدة للتخلي عن أي نظام قائم على القواعد تقترحه برلين وحلفاؤها الشماليون.

موازنة النفط وصناعة البطاريات: سوف يعمد منتجو النفط العالميون، بقيادة السعودية وروسيا، إلى تمديد وتحديث تخفيضاتهم المتفق عليها للإنتاج لمواجهة طفرة الصخر الزيتي الأميركي على المدى البعيد. وفي قطاعات الطاقة البديلة، سيكون على منتجي البطاريات أن يتعاملوا مع محاولة جمهورية الكونغو الديمقراطية الحصول على المزيد من العوائد مع نمو الطلب العالمي على الكوبالت.

المتاعب تختمر في الأميركتين: سوف تترك المكسيك لكندا أخذ زمام المبادرة في مواجهة الولايات المتحدة في قضايا التجارة خلال مفاوضات (نافتا). وبالمثل، سوف يفسد التوتر علاقات واشنطن المتوترة مع البرازيل بينما يقف البلدان على طرفي نقيض حول كيفية إدارة أزمة فنزويلا الاقتصادية وتداعياتها الإقليمية.

الهند تحمي محيطها: سوف تدفع جيوب الصين العميقة ونطاقها البحري الواسع الهند إلى تعاون دفاعي أوثق مع الولايات المتحدة واليابان وأستراليا، بينما تعمل على تحقيق التوازن ضد جارتها التي تزداد قوة باطراد.

طموحات أنقرة تحتل صدارة المشهد: باعتبارها قوة صاعدة في حد ذاتها، سوف تدفع تركيا قواتها أعمق في شمال سورية والعراق، بينما تطالب بالسيطرة على مياه شرق البحر المتوسط، مما يربك خطط قبرص الخاصة بموارد الطاقة التي تقع تحت المياه المتنازع عليها.

لمحة عامة:

• سوف يخلف الهجوم الاقتصادي الذي يشنه البيت الأبيض ضد الصين أضراراً جانبية في كل أنحاء العالم، لكن التعريفات الجمركية في حد ذاتها لن تفعل الكثير على الأغلب لحل مشكلة العجز التجاري المتصوَّر للولايات المتحدة. 

• بينما تفتح المخاوف بشأن خصوصية البيانات واحتكارات الشركات المجال لوضع أنظمة جديدة في الغرب، سوف تضخ الصين مواردها في تطوير التقنيات الاستراتيجية لمحاولة اللحاق بالولايات المتحدة.

• سوف تمضي عمليات وضع اللوائح والقوانين الخاصة العملة الرقمية قدماً بينما تختبر المزيد من البلدان مزايا العملات الافتراضية المدعومة من الدولة، بما في ذلك الاحتماء من العقوبات والتنويع بعيداً عن الدولار.

الثور في المخزن الصيني

كما وصفتها الأجندة التجارية للرئيس الأميركي دونالد ترامب للعام 2018، "هذه أوقات مليئة بالإثارة بالنسبة للسياسة التجارية للولايات المتحدة الأميركية". وربما تكون هذه هي السمة التي تميز هذا العام؛ حيث يبدو البيت الأبيض مستعداً لاستهداف الاقتصاد العالمي في هذا الربع، بينما يتركز مؤشر الهدف على بكين بالتحديد".

يبدو ترامب مقتنعاً بأن صعود الصين الاقتصادي يشكل خطراً على الأمن القومي الأميركي. وعندما يتعلق الأمر بميل الصين إلى إغراق السلع، وتفعيل أنظمة الدعم غير العادلة، وتشويه السوق وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، فإن العديد من البلدان في العالم المتقدم سوف تتفق معه. ومع ذلك، لا ترغب الولايات المتحدة في انتظار أن يتعامل الاتحاد الأوروبي واليابان مع هذه التحديات في منتدى مُدار متعدِّد الأطراف. وسوف تستخدم بدلاً من ذلك استراتيجية "تصرَّف الآن، وتحدث لاحقاً" والتي تعتقد –عن صواب أو خطأ- أنها ستجبر بكين على القدوم إلى طاولة المفاوضات بشروط واشنطن. كما تأمل الولايات المتحدة أيضاً في أن تحفز تكتيكاتها أنصار التجارة الحرة على إصلاح المؤسسات الدولية، مثل منظمة التجارة العالمية، حتى تستطيع هي أيضاً إجبار الصين على الامتثال لمعايير التجارة والاستثمار الدولية. هذه هي الفكرة، على أي حال.

ولكن، تماماً بينما تزعم الولايات المتحدة أن الصين تستفيد من نظام عالمي قائم على القواعد برفضها اللعب على أساس هذه القواعد، فإن البيت الأبيض يتجاوز الكثير من هذه القواعد نفسها من أجل إيضاح فكرته. وعلى سبيل المثال، سوف تؤدي الرسوم الجمركية والتعريفات الشاملة على الفولاذ والألمنيوم التي ستطبقها واشنطن لمكافحة القدرة الفائضة باسم الأمن القومي، إلى ظهور مجموعة من التحديات القانونية داخل الولايات المتحدة وفي منظمة التجارة العالمية، بينما تحتج الدول المتأثرة -بما فيها أعضاء من الاتحاد الأوروبي، والصين والبرازيل واليابان وكوريا الشمالية- على هذه الإجراءات. وفي الحقيقة، سوف ترد العديد منها برسوم مكافحة الإغراق والرسوم التعويضية الأخرى الخاصة بها ضد الولايات المتحدة، مع الحرص على استهداف القطاعات الأميركية الحساسة سياسياً مثل الزراعة قبل انتخابات نصف المدة في تشرين الثاني (نوفمبر). بل إن بعض هذه الأعمال الانتقامية قد تأخذ طابعاً معادياً لأميركا: وقد هدد الاتحاد الأوروبي فعلاً باتخاذ إجراءات صارمة ضد الواردات الأميركية الأيقونية الشهيرة، بما فيها دراجات هارلي ديفيدسون النارية، والجينز الأزرق والبوربون.

عن طريق استخدام حجج خلاقة لتبرير استخدام أقوى الأسلحة التجارية في ترسانتها، سوف تلجئ الولايات المتحدة منظمة التجارة العالمية إلى الزاوية. وعادة ما يتطلب التعامل مع التحديات القانونية في المنظمة سنوات حتى يتكشف. ولكن، إذا انتهى التحكيم الذي تديره المنظمة لصالح واشنطن، فإنها ستقر سابقة خطيرة، هي الاستشهاد بالأمن القومي لتبرير الحمائية الاقتصادية. أما إذا حكمت منظمة التجارة العالمية ضد الولايات المتحدة، فيمكن للبيت الأبيض أن يتجاهل القرار جملة وتفصيلاً عن طريق الاستشهاد بالسيادة الأميركية، مما يقوض مصداقية المؤسسة في العملية. (يلاحَظ أن البيت الأبيض سيواصل أيضاً شل نظام التحكيم في منظمة التجارة العالمية من خلال عرقلة التعيينات الجديدة لأعضاء هيئة الاستئناف).

وفي الأثناء، سوف يترتب على مستهلكي الصلب والألمنيوم في الولايات المتحدة أن يتحملوا تكاليف أعلى لمدخلات الإنتاج. وعلى النقيض من منطق ترامب القائل بأن تعريفاتٍ أعلى ستقلل العجوزات التجارية، فإن من غير المضمون أنها ستجعل الصلب الصيني أقل قدرة على المنافسة الولايات المتحدة. وسوف يُحوِّل مصدرو المعادن الخاضعون للتعريفات الأميركية بضائعهم إلى أسواق جديدة في العالم، وهو ما يدفع بدوره كبار مستوردي المعادن إلى وضع الحواجز لحماية أسواقهم من فيضان المنتجات الأجنبية. وفي خضم التداعيات التجارية التي تتلو ذلك، تأمل الولايات المتحدة في إقناع الاتحاد الأوروبي واليابان بالانضمام إلى حملتها لمواجهة فائض قدرة الصلب العالمية. لكن شركاء واشنطن ربما يختارون بدلاً من ذلك الوقوف في وجه نزعتها الحمائية الصارخة والضغط على الولايات المتحدة بواسطة منظمة التجارة العالمية.

ربما تكون الخطوة التجارية الافتتاحية للولايات المتحدة هي استهداف القدرة المفرطة، لكن مسألة الملكية التجارية سوف تحتل مكاناً عالياً في قائمة مخاوفها واهتماماتها أيضاً. وفي تحقيق بموجب المادة 301 حول ما إذا كانت المتطلبات الصينية لنقل التكنولوجيا والاستثمار بالنسبة للشركات الأميركية التي تعمل ضمن حدودها تمييزية، سوف تتخذ واشنطن إجراءات ضد بكين -سواء داخل أو خارج حدود منظمة التجارة العالمية. (يجب أن ينتهي التحقيق بحلول آب/ أغسطس، لكن واشنطن ربما تعلن نتائجه قبل ذلك). وتدرس الولايات المتحدة مُسبقاً اتخاذ بعض الخطوات المشكوك في قانونيتها، مثل إعلان حالة طوارئ وطنية رداً على انتهاكات الصين لحقوق الملكية الفكرية، من أجل فرض تدابير عقابية ووضع ضمانات متعلقة بصناعات أميركية معينة، مثل الإلكترونيات الاستهلاكية، والأجهزة المنزلية والسيارات. وإلى جانب أوروبا، سوف تواصل الولايات المتحدة أيضاً عرقلة الاستثمارات الصينية في قطاع التكنولوجيا بالطريقة التي تراها مناسبة، مستشهدة بالأمن القومي كدافع لذلك.

بطبيعة الحال، لن تقابِل الصين ضربات ترامب بلا ردة فعل. وبالإضافة إلى فرض قيودها الخاصة على بعض السلع التجارية الأميركية، من المرجح أن تطبق بكين بطريقة انتقائية ضغوطاً تنظيمية على الشركات الأميركية التي لها حصص في الصين. وعندما يأتي وقت تفاوض بكين مع واشنطن، ستكون لدى الأولى مجموعة من التنازلات لعرضِها -مثل توسيع الوصول الأميركي إلى السوق الصينية وتعزيز الواردات الصينية من السلع الأميركية في قطاعات معينة، على سبيل المثال لا الحصر. بل إن الضغط الخارجي المتصاعد ضد اقتصاد الصين ربما يقوم بتسريع محاولات البلد المستمرة للتصدي لمشكلة القدرة المفرطة في الوطن.

على الرغم من أن البيت الأبيض قد يكون مستعداً لمواجهة المخاطِر السياسية المرتبطة بالتعريفات الجمركية التي ترفع أسعار المعادن على المستهلكين الأميركيين، فإنه سيتوخى قدراً أكبر من الحذر بينما يشق طريقه في المفاوضات التجارية الخاصة بأميركا الشمالية. وسوف تمتد محادثات (نافتا) الجارية إلى ما وراء هذا الربع من العام، بسبب النقاط العالقة الرئيسية حول متطلبات قواعد المنشأ لقطاع السيارات وموقف كندا الأكثر تشدداً ضد الولايات المتحدة. وحتى الآن، عملت الضوابط السياسية المحلية على تصرفات ترامب على منع الرئيس من الانسحاب مباشرة من الاتفاقية. وفي حين يريد ترامب فرض إجراءات تجارية أكثر حزماً في الأشهر المقبلة، متجاوزاً المدافعين عن التجارة الحرة داخل إدارته، سوف يضطلع الكونغرس بدور أكثر قوة في تنظيم تجارة البلد في الخارج. وعلى الرغم من أن للمشرِّعين الأميركيين بعض المساحة من المساحة لحماية اتفاقيات التجارة الحرة القائمة، بما فيها (نافتا)، فإن قدرتهم على مواجهة التعريفات التي تفرضها السلطة التنفيذية من جانب واحد ستكون محدودة.

سوف تنطوي السياسة التجارية للبيت الأبيض على عوامل عدة تغذي تقلبات السوق في الرُّبع الثاني من هذا العام. ويمكن أن تفضي أي ارتفاعات في توقعات التضخم إلى أربعة ارتفاعات في أسعار الفائدة الأميركية لهذا العام بدلاً من ثلاثة. وفي حين أن ذلك ليس أكيداً بأي حال، فإن هذا الناتج سوف يؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم المبالغ في تقديرها في سوق الأسهم الأميركية. كما أن أسعار فائدة أعلى يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تقوية الدولار ووضع المزيد من الضغط على البنوك المركزية لمنطقة اليوريو واليابان والصين لتشديد سياساتها النقدية بينما تأخذ حذرها من تدفق رأس المال -مع تداعيات على النمو الاقتصادي يمكن أن يتردد صداها في كل أنحاء العالم.

كبح جماح المارقين والخصوم

يشكل نهج الرئيس في التجارة مثالاً آخر أيضاً على رغبته في تجاوز مخاوف محترفي الأمن القومي داخل إدارته في بعض القضايا. وقد دعا الكثيرون منهم إلى اتخاذ نهج يكون محسوباً ومستهدفاً أكثر من أجل تجنب خداع حلفاء الولايات المتحدة وزيادة الكلف الدفاعية في الولايات المتحدة. ومع ذلك، طالما ظلت هذه الأصوات موجودة في البيت الأبيض، فإنها ستستمر في كبح استجابات ترامب الخاصة بشؤون السياسة الخارجية الأكثر تعقيداً.

ومن بينها ستكون مسألة الاحتواء النووي. فعلى الرقم من تفاقم الاحتكاك النووي بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في هذا الربع من العام، فإن ضربة أميركية في شبه الجزيرة الكورية ستظل احتمالاً مستبعداً –خاصة بالنظر إلى القمة المنتظرة بين ترامب والزعيم الكوري الشماي كيم جونغ أون. وفي الأثناء، حتى لو حثت الولايات المتحدة أوروبا على تهديد إيران بفرض عقوبات تتصل ببرنامجها للصواريخ البالستية، فإن واشنطن لن تصل إلى حد تمزيق اتفاق طهران النووي جملة وتفصيلاً. لكن مخاوف جديدة إزاء الانتشار النووي تظهر في الشرق الأوسط. فبعد أن أمَّنت مسبقاً ختم مصادقة روسيا على خريطة طريق أساسية، سوف تستخدم المملكة العربية السعودية "خطة العمل الشاملة المشتركة" بين إيران والقوى العالمية كإطار عمل لإبرام صفقة حول إقامة برنامج نووي مدني في المملكة، والذي يشمل حقوق التخصيب المحلية. ومع أنها لن تكون متحمسة للفكرة، فإن الولايات المتحدة ستعمل لضمان أن تكون هي -وليس المنافسين مثل روسيا- في وضع أفضل للشراكة مع حلفائها في العالم العربي الذين يسعون إلى تأسيس برامجهم النووية المدنية الخاصة.

بينما تعمل على صد تمدد موسكو في الشرق الأوسط، سوف تستعد واشنطن لخوض منافسة أكثر جوهرية مع روسيا والصين. وفي بداية العام، أكدت مجموعة من المراجعات الدفاعية الأميركية ذلك حين وصفت العملاقين الشرقيين بأنهما يشكلان التهديدات الاستراتيجية الرئيسية للولايات المتحدة اليوم. وبينما تتبلور المنافسة بين القوى العظمى، لن يكون أمام الدول العالقة في الوسط خيار سوى التكيُّف. وسوف تستخدم بعضها، مثل أوكرانيا وتايوان، المنافسة لتقوية تحالفاتها مع الولايات المتحدة. في حين ستجد أخريات، مثل الفلبين، صعوبة متزايدة في تحقيق التوازن لعلاقاتها مع كلا الجانبين.

مدفوعة بالتنافس فيما بينها، سوف تواصل الولايات المتحدة والصين وروسيا تطوير تقنية الأسلحة المدمرة. ولكن، بدلاً من إجبار الأطراف كافة على الامتثال لمعاهدات الأسلحة الموجودة، من المرجح أن يزيد هذا السباق الخطير من تدهور هذه الاتفاقيات بمرور الوقت. وسوف تتواصل الاتهامات بارتكاب انتهاكات بالتطاير بين الولايات المتحدة وروسيا بينما تستمر معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى في الانهيار، مما يقوض المحادثات حول تمديد معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية الجديدة في العملية.

اندفاع مجنون نحو التفوق

في الوقت نفسه، سوف تتسابق الولايات المتحدة والصين على التفوق ووصول الحد الأقصى في مجال الذكاء الاصطناعي الذي سيكون له تأثير عميق على الحياة العسكرية والمدنية على حد سواء. وما تزال الولايات المتحدة متقدمة على الصين على هذه الجبهة، لكن بكين تندفع بأقصى طاقتها من أجل اللحاق بالركب. وفي حين سيكون على شركات التكنولوجيا الكبيرة أن تتعامل مع المخاوف المتعلقة بخصوصية البيانات وتحقيقات مكافحة الاحتكار في الغرب، فإن الشركات الصينية العملاقة ستكون غير مقيدة إلى حد كبير في اندفاعتها المجنونة نحو الهيمنة التكنولوجية.

سوف تحتل خصوصية البيانات ودورها في العلاقة المتغيرة بين المواطنين، والشركات والدول، مركز الضوء في الاتحاد الأوروبي في الأشهر المقبلة. ومع أن الحكومات الأوروبية تحرص بشكل خاص على حماية خصوصية حقوق الأفراد، فإن القارة تشكل سوقاً كبيراً بحيث لا تستطيع شركات التكنولوجيا أن تتجنبها تماماً. وبذلك، سوف يشكل قانون حماية البيانات العامة المقرر وضعه قيد التطبيق في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي في 25 أيار (مايو) سابقة لشركات التكنولوجيا التي تحاول شق طريقها وسط تحديات خصوصية البيانات.

سوف يسلك قطاع التكنولوجيا المالية المسار نفسه. والآن وقد انفجرت فقاعة المضاربة حول العملات الرقمية، ستكون لدى الدول مساحة أكبر لوضع القواعد والأحكام للعملات الرقمية، وتقنيات البيانات الموزعة على شبكة الإنترنت والعروض الأولية للعملة. وتشرع صناعات أخرى -من إدارة سلسلة التوريد إلى التأمين إلى العناية الصحية- في تبني وتنظيم تقنيات البيانات الموزعة على الشبكة أيضاً، ولو بسرعة أبطأ. وفي انتظار الموافقة التنظيمية، ثمة مشروع مشترك تم الإعلان عنه مؤخراً بين شركة "آي. بي. أم" وشركة الشحن "ماريسك لاين"، والذي يستحق المراقبة لأنه ربما يكون الرائد في استخدام تكنولوجيا سلسلة الإمداد في مجال إدارة سلاسل الإمداد العالمية.

بينما تتأمل الحكومات منافع العملات البديلة، سوف تنشأ المزيد من العملات الرقمية المدعومة من الدولة على مدار العام، والتي تكون كل منها مدفوعة بدافع مختلف. وبالنسبة للدول المتقدمة، مثل إستونيا، يشكل تبني العملة الرقمية خطوة طبيعة في سياق رقمنة اقتصاداتها. وبالنسبة لإيران وروسيا، يمكن أن توفر هذه العملات بعض الحماية من العقوبات المفروضة عليهما. كما يمكن أن تكون العملات الرقمية مفيدة أيضاً للاقتصادات الفوضوية مثل فنزويلا أو زيمبابوي؛ حيث فقد الناس الثقة في العملات الورقية، ويريدون دعم عملاتهم بسلعة أو أمل بحماية أنفسهم من العقوبات. وكما تكتشف الدول الصغيرة المدولرة (نسبة إلى الدولار)، مثل جزر مارشال، فإن العملات الرقمية يمكن أن توفر مرونة اقتصادية أكبر، وبدائل عن الدولار.

تحديات قديمة وشهوة

 جديدة في قطاع الطاقة

سوف تتعرض صناعة الطاقة في الولايات المتحدة، وهي مستهلك رئيسي للصلب، إلى ضربة شديدة في هذا الربع من العام بسبب تعريفات الصلب الكبيرة التي ترفع تكاليف إنتاجها -بالتحديد في وقت كسر فيه ناتج النفط الأميركي الأرقام القياسية عند أكثر من 10 ملايين برميل يومياً. ومع أن إنتاج الولايات المتحدة من نفط الصخر الزيتي ربما ينخفض قليلاً نتيجة لذلك، فإن ذلك لن يكون كافياً لتهدئة مخاوف منظمة "أوبيك" وشركائها الخارجيين، الذين عمدوا إلى تقليص إنتاجهم في محاولة لتحقيق التوازن مقابل الإمدادات المتزايدة لمنافسيهم الأميركيين. وحتى الآن، يساعد انخفاض الإنتاج في كل من المكسيك والصين وفنزويلا على تعويض الارتفاع المستمر في الإنتاج الأميركي والكندي. وربما يقوم المنتجون الأعضاء في منظمة "أوبيك" وغير الأعضاء فيها أيضاً بتمديد تخفيضاتهم حتى نهاية العام عندما يجتمعون في فيينا في حزيران (يونيو). ومن المرجح أن تظهر حول الوقت نفسه أيضاً تفاصيل اتفاقية أطول أجلاً، بقيادة السعودية وروسيا، لمواجهة إنتاج الولايات المتحدة من الصخر الزيتي.

وفي مكان آخر في مجال الطاقة، يبدو الطلب في ارتفاع على بطاريات أيونات الليثيوم -والحاجة المصاحِبة إلى الكوبالت والليثيوم. وستكون في القلب منه الصين، التي تغذي إصلاحاتها البيئية ومساعيها التكنولوجية النمو في مجال بطاريات السيارات الكهربائية والطلب عليها. لكن شهية العالم المتجددة لهذه الموارد سوف تخلق مجموعة من التحديات الجيوسياسية. وفي هذا الربع من العام، سيكون على منتجي البطاريات التعامل مع تشريعات جديدة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي مصدر رئيسي للكوبالت، والتي سترفع رسوم التعدين المستحقة للحكومة. ومع أن الأرجنتين وتشيلي في وضع جيد لاجتذاب الاستثمارات الخارجية في قطاعات الليثيوم، فإن عدم الاستقرار السياسي المتصاعد في بوليفيا سوف يضر بفرصها لفعل الشيء نفسه.

 

*نشرت هذه التوقعات تحت عنوان: 2018 second-quarter forecast: Global Trends

*مؤسسة التنبؤات الاستراتيجية، Strategic Forecasting, Inc؛ والمعروفة أكثر باسم "ستراتفور" STRATFOR، هي مركز دراسات استراتيجي وأمني أميركي، يعد إحدى أهم المؤسسات الخاصة التي تعنى بقطاع الاستخبارات، وهو يعلن على الملأ طبيعة عمله التجسسي، ويجسّد أحد أبرز وجوه خصخصة القطاعات الأميركية الحكومية. تطلق عليه الصحافة الأميركية اسم "وكالة المخابرات المركزية في الظل" أو الوجه المخصخص للسي آي إيه، The Private CIA. ومعظم خبراء مؤسسة ستراتفور ضباط وموظفون سابقون في الاستخبارات الأميركية.